الإرهاب القادم... والرد العقلاني
نستطيع فهم تحمل إدارة أوباما مسؤوليتها عن الإخفاق في منع تنفيذ تلك المحاولة التي استهدفت تفجير طائرة "نورث ويست إيرلاينز" المتجهة من أمستردام إلى مطار ديترويت في الخامس والعشرين من ديسمبر المنصرم. غير أن تلك الاستجابة من قبل الإدارة ضلت سبيلها لكونها لم تمسك بجوهر الأمر. صحيح أنه بوسع الولايات المتحدة أن تفعل أفضل مما فعلته في القبض على الانتحاريين المشتبه بهم الذين يحاولون تنفيذ هجمة جديدة عليها. غير أن الحقيقة هي استحالة توفير أمن مطلق للبلاد ومواطنيها ضد مثل هذه المحاولات. فلا سبيل لتوفير هذا الأمن المطلق إلا بجعل زيارة أميركا مستحيلة تماماً على الأجانب من مختلف الجنسيات والبلدان، في ذات الوقت الذي نجعل فيه من سفر الأميركيين إلى الخارج أمراً مستحيلاً ومعذباً هو الآخر، أو بعبارة أخرى جعل الحياة قطعة من الجحيم لا تطاق للجميع.
ولهذا السبب فإن احتمال تلقي أميركا هجمة إرهابية جديدة على أراضيها لا يمكن أن يكون بدرجة الصفر. فرغم أننا سنظل نبذل أقصى ما نستطيع لمنع وقوع هجمات كهذه داخل بلادنا، فإنه يستحيل عملياً صد جميع الهجمات. وعلى أميركا أن تدرك حقيقة أنه لا مناص من وقوع هجمة إرهابية كبيرة أخرى في يوم ما مهما بذلنا من جهد لمنعها. وحتى إذا ما قلصت الحكومة الأميركية الحريات المدنية إلى حد أثار ضيق الجميع، فلن تمنع مثل هذه الإجراءات أحد الانتحاريين في نهاية الأمر من تنفيذ هجمة أخرى دموية علينا. وربما تأتي هجمة كهذه من الإرهابيين المتوحدين الذين لا علم كاف لنا بسجل معلوماتهم الشخصية إلى حد يجعلنا نشتبه بهم، على غرار ما حدث لمطلق النار على زملائه من جنود قاعدة فورت هود مؤخراً. ويرجح أن ينفذ هجوماً كهذا إرهابي واحد، حتى وإن تلقى تدريباته في أحد فروع تنظيم "القاعدة" المنتشرة في دولة أجنبية. وكما رأينا في محاولة ديترويت الأخيرة، فقد كان عمر فاروق عبد المطلب لاعباً وحيداً فيها، رغم تلقيه تدريباً على استخدام المتفجرات في اليمن. وتشير هذه الحادثة إلى أمور ثلاثة في غاية الأهمية بالنسبة لأمننا القومي. أولها: التساؤل عن مدى التقدم الذي أحرزه أداؤنا الاستخباراتي منذ هجمات 11 سبتمبر، خاصة وأن اللوم الرئيسي في هذه الهجمات وقع على فشلنا في "وصل النقاط والمعلومات الاستخباراتية مع بعضها البعض". بيد أن درء هجمات 11 سبتمبر تلك، لم يكن يتطلب مجرد التخيل الذكي لما يمكن أن يحدث في طائرة نورث ويست إيرلاينز من قبل المحللين الاستخباراتيين، بل كان يتطلب إرادة سياسية جبارة تبذل كل ما بوسعها للحيلولة دون وقوع هجمة كبيرة على أراضينا تم تدبيرها خارج الحدود الأميركية. وبما أن هجوماً بهذا الحجم والدموية لم يوجه إلى بلادنا منذ الاعتداء على ميناء بيرل هاربر، فلم يكن في مقدور أحد من المحللين الاستخباراتيين تصور مشهد تلك الطائرات التي اخترقت برجي مركز التجارة العالمي وغيره من المباني التي استهدفتها الهجمات. على عكس ذلك تماماً، كان عمر فاروق والذين قدموا له العون من عناصر "القاعدة"، في شاشة رادارنا الاستخباراتي، لكنا عجزنا عن منع حدوث ما كنا نتوقعه سلفاً. وفي هذه الحالة لم تكن المشكلة غياب النقاط والمعلومات الاستخباراتية، مثلما كان الحال في هجمات 11 سبتمبر، إنما العجز عن وصلها معاً هذه المرة.
ثانياً: تظهر محاولة ديترويت أن جزءًا كبيراً من إجراءات الأمن المتبعة في المطارات حالياً، ليست سوى تضييع للجهد والوقت، ومضايقة لا معنى لها للمسافرين، مع عجزها في المقابل عن إلقاء القبض على الإرهابيين المشتبه بهم فعلياً. ورغم صعوبة إيجاد التوازن المطلوب بين تكثيف الإجراءات الأمنية وتحقيق الهدف الرئيسي منها، فمن الضروري التوصل إلى توازن كهذا. وربما يكون التفتيش المشدد للأفراد المشتبه بهم، مع خفض الإجراءات الأمنية بالنسبة للركاب غير المشتبه بهم، هو المدخل الملائم لإيجاد مثل هذا التوازن.
ثالثاً: يشير الغضب الشعبي العام على محاولة ديترويت الإرهابية الفاشلة إلى ضرورة تطوير فهم عام جديد لظاهرة الإرهاب. فخلال السنوات الماضية التي تلت هجمات 11 سبتمبر لم يزد عدد القتلى الأميركيين جراء العمليات الإرهابية على 100، مقارنة بمتوسط قتلى العواصف البالغ 63 قتيلاً سنوياً، وقتلى حوادث الدراجات الهوائية الذين يقدر عددهم سنوياً بحوالي 692، ثم قتلى حوادث السيارات 41616 ألفاً سنوياً.
ومهما يكن فالقول بعدم تسامحنا مع تلقي هجمات إرهابية جديدة هو مجرد وهم لا علاقة له بواقع مكافحة الإرهاب. فمثل ذلك القول لا يزيد عن كونه استجابة عاطفية للهجمات الإرهابية، في حين أن المطلوب والواقعي هو أن نستجيب للإرهاب عقلانياً. ولنذكر بهذه المناسبة أن ما يعطي الإرهابيين شعوراً بالنصر علينا، هو خوفنا من الإرهاب إلى حد تتعطل فيه حياتنا تماماً. وكلما يحدث لنا هذا، تتكرس هزيمتنا أمام الإرهابيين. والمطلوب أن نسارع لإزالة آثار العملية الإرهابية بأسرع ما نستطيع، حتى تمضي حياتنا قدماً للأمام بدلاً من أن تتعطل أمام الإرهاب. ولا يمكن لهذا أن يحدث دون أن نعترف باستحالة منعنا لوقوع كافة الهجمات الإرهابية التي تدبر ضدنا.
جريجوري إف. تريفرتون
نائب رئيس -سابقاً- لمجلس الاستخبارات القومية، ومدير حالي لمركز المخاطر والأمن الدوليين بمؤسسة راند
ينشر بترتيب خاص مع خدمة "واشنطن بوست"