الصحافة البريطانية
ديمقراطية الجنوب الأفغاني... ووداعاً لسن التقاعد الإجباري
ماذا بعد الانتخابات الرئاسية الأوكرانية؟ وبطء التغيير الاجتماعي الاقتصادي في الهند، وامتداد الديمقراطية ومظاهر الحكم المركزي إلى جنوبي أفغانستان، ثم وداعاً لسن التقاعد الإجباري... قضايا نعرض لها ضمن جولة أسبوعية في الصحافة البريطانية.
ما بعد الانتخابات الأوكرانية
نقتطف مما نشرته افتتاحية "ذي إيكونومست"في عددها الأخير عن توقعات نتائج الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية الأوكرانية. تبدأ الافتتاحية كما يلي: أتذكرون تلك الأيام الشتوية التي كانت تزداد حرارتها جراء المواكب والتظاهرات الشعبية العارمة، التي كانت لا تكف عن الهتاف باسم "يوشينكو" قبل خمسة أعوام، على رغم كثافة تساقط الجليد في ذلك الوقت من العام؟ إن كانت تلك الأيام لا تزال في ذاكرتكم فانظروا اليوم إلى نتيجة الجولة الانتخابية الرئاسية الأولى التي جرت في السابع عشر من يناير الجاري. ففي هذه الجولة حصل الرئيس الحالي يوشينكو بالكاد على نسبة 5.5 في المئة من أصوات الناخبين. وتؤكد هذه النتيجة أن الثورات عادة ما تنتهي إلى خيبة أمل الشعوب التي تصنعها. لكن هذا الاستنتاج الأخير، ربما يكون قد تجاوز الحد بإصدار حكم بهذه العمومية عن مصير الثورات. فالحقيقة أن الخصمين الرئيسيين المتنافسين في هذا السباق الانتخابي: الرئيس يوشينكو ورئيسة وزراء حكومته يوليا تيموشينكو -التي كانت ذراعه اليمنى أيام الثورة البرتقالية- تربط بينهما خصومة لدودة بعد انقلابها عليه. إلا إن أوكرانيا تحولت بفض تلك الثورة إلى ديمقراطية مزدهرة لها مؤسساتها التي تتمتع بقدر كبير من الشفافية، ما انعكس إيجاباً على الانتخابات الأخيرة التي وصفت بالحرية والنزاهة فعلاً.
ولكن لا تزال هناك المعركة الفاصلة في الجولة الانتخابية الثانية المتوقع إجراؤها في السابع من فبراير المقبل. ومن الصعب التكهن بنتائجها، على رغم الشعور العام بالإحباط من عهد يوشينكو، في أوساط الأوكرانيين. ومهما يكن الفائز بالجولة الأخيرة هذه، فإن في انتظاره مجموعة من التحديات أهمها: إصلاح المؤسسات السياسية وتحسين مستوى الأداء الحكومي، التعاون مع صندوق النقد الدولي بغية إعادة الثقة في الأداء المالي الأوكراني، إضافة إلى حفز المزيد من التنافس الاقتصادي الحر، وتوفير قدر أكبر من الشفافية في مجال الاستثمار مع الحد من ممارسات الفساد الحكومي.
60 عاماً من التغيير في الهند
هذا ما كتب عنه في"ذي جارديان" "كريج جيفري" مقالاً تحليلياً يوم الاثنين الماضي فخلال الأسبوع الحالي مرت الذكرى الستون لصدور الدستور الهندي في السادس والعشرين من يناير من عام 1950. وبصدور ذلك الدستور أعلنت الهند جمهورية ديمقراطية. وقد تضمنت نصوص ذلك الدستور فقرات كثيرة أقرت "الحقوق الأساسية" للمواطنين. وفيما لو تم تطبيق تلك القوانين كما ينبغي، لصانت حقوق المواطنين وجنبتهم شر الوقوع ضحية للاستغلال والتمييز والاعتقال التحفظي. بيد أن المظالم الجغرافية والاجتماعية والاقتصادية لا تزال تستمر لتخلق فجوة اجتماعية كبيرة بين المواطنين. فعلى سبيل المثال يتمركز حوالي ربع فقراء الهند في ولاية واحدة هي "أتار براديش" الواقعة في شمالي الهند وتبلغ كثافتها السكانية نحو 166 مليون نسمة. وفي هذه الولاية تتدنى كثيراً خدمات الرعاية الصحية، بينما ترتفع فيها معدلات وفيات الأطفال الذين ترتفع بينهم كذلك معدلات سوء التغذية. وتعاني الولاية أوضاعاً اقتصادية سيئة للغاية، في ذات الوقت الذي تسود فيه ممارسات الفساد الحكومي. وفوق ذلك كله تزداد الفجوة بين المنتمين إلى الطبقات الاجتماعية المنبوذة والطبقات الاجتماعية الأخرى، لا سيما الطبقة الرفيعة. وعلى رغم أن الدستور الهندي قد نص على ما يساعد على توفير مساحة للتنمية الاجتماعية والحركات الشعبية القاعدية الناشطة في مجال الحقوق، لا تزال طبقة المنبوذين محرومة من أي قدر من الاحترام أو حقوق ممارسة السلطة. وبينما يعبر المسؤولون الهنود عن ثقة كبيرة في إمكانية تطبيق النصوص الملهمة التي نص عليها الدستور، إلا إن تحقيق هذا الحلم ربما يتطلب 60 عاماً أخرى.
ديمقراطية الجنوب الأفغاني
نشرت صحيفة "التايمز" الصادرة أمس مقالاً تحليلياً للكاتب "باتريك هنيسي" قال فيه إن الديمقراطية بدأت تشق طريقها تدريجياً إلى جنوبي أفغانستان، تلك المنطقة الأشد تمرداً واشتعالاً بحكم وقوعها تحت سيطرة حركة "طالبان". وقال الكاتب إن عشية انعقاد المؤتمر المخصص لأفغانستان في لندن، شهد انعقاد مجلس للشورى في قرية بلوشان الواقعة على بعد 750 كيلومترا جنوبي العاصمة كابول. وكانت هذه المنطقة حتى وقت قريب جداً تحت سيطرة "طالبان"، ولا تزال المعارك تدور بينها والقوات الأفغانية والبريطانية في القرى والمناطق الريفية المجاورة لها. ويكتسب انعقاد مجلس الشورى هذا أهميته من كونه المناسبة الأولى التي تجمع بين زعماء العشائر المحللين وحاكم هذه المحافظة الجنوبية منذ الغزو الأميركي لأفغانستان. وقد بعثت لهذا الاجتماع كل قرية من قرى المحافظة بمندوب لها لحضور الاجتماع الذي ساهم كثيراً في تبديد شكوك الكثيرين في أن تكون لهذه المنطقة الملتهبة من جنوب أفغانستان أدنى قابلية لوصول الديمقراطية ومظاهر الحكم المركزي إليها. يجدر بالذكر أن الاجتماع أحيط بإجراءات أمنية مشددة، وتطلب تأمين وصول المشاركين فيه عمليات عسكرية أمنية كبيرة مشتركة بين القوات الأفغانية والبريطانية. لكن لا يعني انعقاد هذا الاجتماع أن السلام قد حل في جنوبي أفغانستان، فلا تزال هناك الكثير من المعارك والمواجهات المسلحة التي ستدور ضد متمردي الحركة، إلا إن مجرد انعقاده يمثل مؤشراً قوياً على امتداد الديمقراطية والحكم المركزي إلى معاقل التمرد "الطالباني" الأشد خطورة.
وداعاً لسن التقاعد الإجباري
هذا ما كتبت عنه صحيفة "الإندبندنت" الصادرة في الخامس والعشرين من الشهر الجاري افتتاحيتها، قائلة إن الوقت قد حان لأن تتجاوز مؤسسات العمل والشركات إحالة الموظفين إجبارياً للتقاعد عند بلوغهم السن القانونية المنصوص عليها للتقاعد. وكانت "لجنة المساواة وحقوق الإنسان" البريطانية قد نشرت تقريرها الخاص بإلغاء هذه القوانين مؤخراً مطالبة في الوقت ذاته بشمول الدعوة للمطالبة بقدر أكبر من المرونة الوظيفية جميع فئات الموظفين بمختلف أعمارهم. بل طالبت اللجنة المذكورة بأن يبدأ تحسين بيئة العمل وتوفير قدر أكبر من المرونة الوظيفية فيها بكبار السن من الموظفين لأنهم الأرسخ خبرة والأكثر دراية بثقافة المؤسسة الإدارية والتنظيمية.
إعداد: عبدالجبار عبدالله