معايير كفاءة التعليم: اعتبارات محلية وانتخابية!
ما هي نسبة تلاميذ الصف الرابع الابتدائي الذين يجيدون القراءة؟ إجابة السؤال تتوقف على من تسأل؟ فلو سألت سلطات ولاية ما فستقول لك إن نسبة من يستوفون معايير القراءة الجيدة من طلابها قد تجاوزت 85 في المئة في البحث الذي أجرته عام 2007، في حين لم تتجاوز 28 في المئة في التقييم الوطني للتقدم التعليمي (NAEP)، وهو تقييم معتمد تجريه وزارة التعليم الأميركية. السؤال هنا: ما الذي أدى إلى هذا الفارق في التقييم؟ إنه اختلاف المستوى التي تضع فيها كل جهة المعيار الخاص بها. فولاية جورجيا مثلا تضع هذا المعيار في مستوى منخفض للغاية مما يجعلها تمنح التلاميذ الذين تقيمهم مستوى "ممتاز"، وفقاً لمعايير أعلى تضعها ولاية أخرى، في مستوى "مقبول".
والمعايير المنخفضة التي تضعها بعض الولايات، كانت سببا في الدعوة إلى حملة ثنائية حزبية لاستحداث معايير وطنية موثوق بها.
والمؤكد أن الطريق لاستحداث معايير وطنية سوف يكون طريقا صعباً، بيد أن ثمة مقاربة أكثر عملية لذلك، تتمثل في منح جميع الولايات حوافز لوضع معايير مرتفعة من تلقاء نفسها، ودونما حاجة لتدخلات من جهات فيدرالية.
وإعادة التفويض الوشيك بالقانون الفيدرالي المعروف بقانون "عدم ترك أي طفل من دون تعليم"، يعطينا الفرصة للقيام بذلك. فمن الواضح أن الحوافز غير المناسبة التي يتضمنها القانون، لها علاقة ما بالتدهور الحاصل في المعايير التعليمية للطلاب. فهذا القانون يعاقب المدارس عندما يستوفي عدد أقل من اللازم من طلابها معايير الكفاءة المطلوبة في امتحانات الرياضيات والقراءة التي تعقد كل عام. لكن القانون يحتوي على فجوة سافرة وهي أن الولايات مضطرة لأن تُعرّف بنفسها ما الذي تعنيه "الكفاءة" في المقام الأول.
وهذا الأمر يتيح للولاية استيفاء معايير الكفاءة المطلوبة من خلال وضع تلك المعايير ذاتها في مستوى منخفض، لإدراكها أن تصعيب تلك المعايير وجعلها أكثر صرامة، سيعوق حتما قدرتها على الوفاء بالمتطلبات الفيدرالية، وقد يعرضها للمساءلة بالتالي.
والمعايير المنخفضة لها جاذبيتها. فكلما انخفض المعيار، كلما عني ذلك أن عددا أكبر من الطلاب سوف يتمكن من اجتيازه. فحكومات الولايات، تحب دوما أن تخبر دوائرها الانتخابية أن التلاميذ يؤدون بشكل جيد للغاية في الامتحانات الموحدة، والجمهور غالباً ما يصدق.
ويمكن للولايات أن تضع معايير منخفضة دون أن تتعرض للمساءلة، طالما بقى تعريف الكفاءة مجرد مفهوم غائم. ولتحديد مدى صعوبة أسئلة الامتحانات، تعتمد الولايات عادة على مجالس الخبراء. وتعريف الخبير، يختلف من ولاية لأخرى، ويقتصر دورهم على تقديم المقترحات التي يمكن لسلطات الولاية المختصة تجاهلها إذا ما رأت ذلك.
وإذا ما أخذنا ذلك الخلط في الاعتبار، فسنتوصل إلى خلاصة مؤداها أن الدعوة من أجل وضع معايير قومية مرتفعة وقابلة للنفاذ، هي دعوة مطلوبة ومنطقية في الآن ذاته.
لكن المعايير القومية كانت تواجه بمعارضات قوية. فمن الناحية التاريخية نجد أن التعليم كان دائما تابعا للولاية. ففي عام 2002 مثلا، عارض بعض المحافظين قانون "عدم ترك أي طفل من دون تعليم"، لأنهم رأوا فيه تدخلا غير مسوغ من قبل الحكومة الفيدرالية في شؤون حكومات الولايات.
والمعايير القومية الموضوعة من قبل الكونجرس تحديداً هي فقط التي يمكنها توسيع دور واشنطن، غير أن الأمر قد ينتهي بنا إلى معيار وحيد منخفض في نهاية المطاف. وعلى ما يبدو فإن الداعين لمعايير قومية يعتقدون أنهم هم سيصوغون المعايير في نهاية المطاف بينما الحقيقة هي أن البيروقراطيين في وزارة التعليم الأميركية عادة ما تكون لديهم أفكار أخرى، وهو ما ينطبق أيضا على أعضاء الكونجرس الممثلين للولايات ذات الإنجاز التعليمي المتواضع، التي ستحاول بكل جهدها تجنب الإحراج الذي يمكن أن تتعرض له، فيما إذا تم سن معيار قومي.
المأخذ الثاني على قانون "عدم ترك أي طفل من دون تعليم"، هو أنه ليست هناك طريقة محددة لتنفيذه، حيث لا يزال بمقدور الولايات تطوير اختباراتها الخاصة في القراءة والرياضيات، ووضع المعايير الخاصة بها.
وباستخدام مقياس موضوعي للمعايير الموضوعة من قبل الولايات، يمكن لقانون معدل أن يقوم حينئذ بوظيفة ربط جزء ما من التمويل الفيدرالي الذي تتلقاه كل ولاية من الولايات بناءً على أعداد التلاميذ بها، بالمصاعب التي تكتنف المعايير المتعلقة بتلك الولايات أو ولايات أخرى. فبموجب هذا النظام سيكون لدى الولايات حوافز لرفع معايير قياس الكفاءة، بدلا من القيام بوضعها في مستويات مرتفعة دون مبرر معقول، لأن جزءا من التمويل الذي تتلقاه هذه الولايات سيظل معتمدا على نسبة طلابها المستوفين لمعيار الكفاءة.
ورغم هذا النظام سوف يسمح باستمرار قدر من الاختلاف في تعريف" الكفاءة"، لكنه سيؤدي على أقل تقدير إلى تشجيع رفع المعايير التعليمية بمرور الزمن. وفي هذا النظام، فإن الإجابة على السؤال: ما الذي يجب أن يعرفه الطلاب سوف تكون دائما هي: "أن يعرفوا المزيد".
ماركوس وينترز
زميل رئيسي في معهد مانهاتن
ينشر بترتيب خاص مع خدمة "أم سي تي إنترناشيونال"