هل يستقر العراق؟
يشهد العراق هذه الأيام، قبل أقل من شهرين على انتخاباته العامة القادمة، في 7 مارس 2010، أزمة جديدة قد تمزق نسيج المجتمع العراقي وتدخله في متاهات الاضطراب السياسي وعدم الاستقرار.
الأزمة الجديدة بدأت بإعلان "هيئة المساءلة والعدالة" بحظر مشاركة "جبهة الحوار الوطني" التي يتزعمها صالح المطلك وغيره من الأشخاص والأحزاب السياسية، وقد تم قرار الاستبعاد على خلفية الانقياد لحزب "البعث" وتبني مناهج "البعث".
وقد أكد النائب عن جبهة التوافق وعضو لجنة المساءلة والعدالة في البرلمان رشيد العزاوي، استغرابه من قرار حرمان جبهة الحوار من خوض الانتخابات المقبلة، موضحاً أن صالح المطلك كان قد شارك في العملية السياسية منذ البداية حيث شارك في لجنة كتابة الدستور فضلاً عن مشاركته في انتخابات عام 2005، وهو رئيس قائمة انتخابية فازت بـ11 مقعداً، كذلك شارك في انتخابات مجلس المحافظات لعام 2009 وفاز بعدد من المحافظات، والآن يريد المشاركة في الانتخابات القادمة، فمن غير الطبيعي أن يُشمل في قائمة اجتثاث "البعث".
المطلك بدوره اتهم إيران بالوقوف وراء قرار هيئة المساءلة والعدالة بحظر مشاركة جبهة الحوار الوطني في الانتخابات المقبلة، وأكد توجهه لرفع دعوى ضد الهيئة في المحكمة الدستورية.
لا نعرف لماذا لا يستفيد قادة العراق الجديد من التجارب الديمقراطية الناجحة في العالم الثالث، ومنها التجربة الهندية التي تعتمد في نجاحها على شعور الانتماء للدولة، حيث يوجد في الهند المئات من الأقليات والطوائف والأديان كما توجد فيها فروقات طبقية ذات طابع اقتصادي واجتماعي. لكن رغم ذلك فقد حققت الديمقراطية الهندية النجاح لأن قادتها التزموا بالنهج الديمقراطي والدستور وفصل السلطات واستقلالية السلطة القضائية والالتزام بالانتخابات الحرة وحرية الأحزاب والصحافة.
العراق اليوم يسمح فيها بتكوين الأحزاب من الناحية الدستورية النظرية، لكن من الناحية الواقعية نجد السلطة تضع العقبات في طريق هذا التكوين، سواء بأدوات تشريعية أقل من الدستور أو بوسائل عملية، وينتهي الأمر في الأغلب الأعم إلى تفرد حزب واحد بالسلطة.
التجارب الإنسانية في الدول المتقدمة تخبرنا بأن الديمقرطية لا تحل كل المشاكل ولا تحقق كل التمنيات التي يريدها الشعب، لكنها الإطار الأمثل للمشاركة على نطاق واسع في حل المشكلات وتحقيق الأهداف... لا ديمقراطية حين تكون الدولة كل شيء والمجتمع لا شيء. إن الفصل بين الدولة والمجتمع المدني هو من المتطلبات الأساسية للديمقراطية.
إذا لم يتدخل العقلاء في العراق لحل الإشكالية الجديدة، فالخوف كل الخوف أن يتحول العراق الموحد إلى نظام للتجزئة، بحيث تفكر كل طائفة وقبيلة وقومية بمصالحها الذاتية على حساب العراق الموحد. والمصيبة ستكون أعظم إذا ساهمت الحكومة الطائفية في تمزيق الوحدة الوطنية برفضها مشاركة الأحزاب والحركات السياسية المعارضة لها تحت ذريعة الانتماء للبعث أو الاختلاف المذهبي أو القومي. ومن الناحية العملية فإن قرار الحكومة العراقية بإقصاء الآخر هو محاولة للاستئثار بالسلطة عبر منع المعارضة من المشاركة.
وأخيراً نرى أن استعمال الدين والطائفة والقبلية والعرق لإقصاء الآخر، لن يؤدي إلى استقرار العراق واستمرار كيانه المتميز عبر التاريخ كبلد تنصهر فيه جميع الطوائف والقوميات لتحقيق مصالح العراق العليا.