حوارات رجل الدين الجليل الشيخ محمد حسين فضل الله وتحليلاته غالبا ما تصيب وتصب في القلب. وفي تعليق له عن حال الولايات المتحدة الأميركية في ظل حمى انتخاب رئيس جديد لها، قال الشيخ الجليل ما يلي:لابد أن يعرض الرئيس الأميركي على أطباء نفسيين قبل انتخابه. واستطرد العلامة قائلا: كل احترامنا له، لأننا نحترم المرض والمريض.
المقصود بهذا الكلام أولا وأخيرا هو الرئيس الأميركي الحالي جورج بوش، المرشح لانتخابات الرئاسة والطامح إلى البقاء في البيت الأبيض 4 سنوات أخرى (لا قدر الله)، ليعلم العالم "أصول" الديمقراطية والحرية على الطريقة "البوشية".
طرح الشيخ الجليل له ما يبرره، فنظرة إلى العالم منذ أن اعتلى بوش سدة الحكم تؤكد لنا أن مدمن الكحول القديم يطلع على جثث البشر عقده الدفينة، وأن شرابه المفضل باستثناء المشروبات اللاكحولية (soft drinks)،هو الدم.
المعروف في علم النفس وفي عيادات علاج الإدمان، وتحديدا الطريقة الأميركية في العلاج التي تتبع برنامجا معروفا يسمى الخطوات الاثنتي عشرة (12steps program)، أن المريض بعد أن يقلع عن تعاطي المادة التي يتعاطاها أكانت مخدرا أم مسكرا أم ميسرا- ولكن بالتحديد في حالة الإدمان على الكحول-، يمر بحالة يطلق عليها وصف (السكير الجاف)، (dry drunk)، أي أن المريض المدمن يتوقف عن تعاطي المسكر لكنه لا يتوقف عن ممارسات المدمن، وفي هذه الحالة تبقى شخصيته، رغم توقفه عن تعاطي المسكر، شخصية مدمن. والمدمن كما بدأ الطب الحديث يؤكد، هو إنسان مريض. مرضه له خصائص معروفة ومنها الكذب. اتخاذ قرارات سريعة دون تفكير. التشدد. التطرف في التفكير أو الممارسات، كأن يستبدل حالة النشوة التي كان يشعر بها عندما يشرب الخمرة أو المخدر، بحالة نشوة متقاربة يحصل عليها مثلا من جراء ممارسته الرياضة بشكل يومي ولساعات. ومن خصائص المرض أيضا، العناد الأعمى، كأن يركز المريض على هدف ويبذل كل جهده وماله وطاقة عائلته للوصول إليه حتى ولو كان الثمن باهظا، والهدف خطأ.
عندما تحدث فضل الله عن الرئيس المريض كان قد تفرس في وجهه وحركاته ولغة جسده وسياسته مليا. ومع الأسف فإن كل الخصائص التي ذكرناها آنفا تنطبق على الرئيس بوش، الذي عولج من الإدمان على الكحول. فهو يكذب بشدة إلى درجة أنه يصدق كذبه (أسلحة الدمار الشامل). وهو أكثر الرؤساء الأميركيين اتخاذا للقرارات السريعة. وهو متطرف في سياسته مثل تطرف من يعاديهم ويتهمهم بالإرهاب. الموازين عنده مقلوبة، فالتحرير احتلال، والمقاومة إرهاب، والظالم مظلوم، والجزار رجل سلام.
أما العناد الأعمى فحدِّث عنه ولا حرج. فقد صرف الرئيس الأميركي جورج بوش (ممثل أرقى الديمقراطيات في العالم) في حملة مكثفة من الحقد البغيض ما يقارب 6 مليارات دولار، لتشويه سمعة منافسه في الانتخابات جون كيري. وصرف مليارات لا حصر لها في ملاحقة شريكه في التطرف، أسامة بن لادن، دون جدوى.
من المؤكد، واعتمادا على رصد حالة العالم في فترة حكم الرئيس بوش، أن جرعة أخرى من هذا السم الزعاف لن تشفي أورام العالم السرطانية. وإذا حصل واقترع الشعب الأميركي لجورج بوش مرة أخرى وقبل عرضه على طبيب نفسي كما نصح الشيخ الجليل، فإن العالم لن يكون أكثر حرية أو أكثر أمنا أو أكثر ديمقراطية أو أكثر سلاما.