تقدر منظمة الصحة العالمية أن عدد المصابين بالأزمة الشعبية (الربو)، يتراوح حاليا ما بين 100 إلى 150 مليون شخص حول العالم، مع التوقع أن يزداد هذا العدد بشكل مطرد بمقدار 50% كل عشرة أعوام، وهو ما يعني أن عدد المصابين سوف يتخطى رقم المائتي مليون شخص في وقت قريب. وتقدر المنظمة الدولية أيضا، أن الأزمة الشعبية تتسبب في وفاة أكثر من 180 ألف مريض سنويا. على رغم أنه لا يمكن علاج الأزمة الشعبية والتخلص منها تماما، إلا أن العقاقير المتوفرة حاليا تتيح فرصة التحكم فيها بدرجات متفاوتة بين المرضى. ويمكن تعريف الأزمة الشعبية على أنها مرض رئوي التهابي مزمن، يتميز بنوبات متكررة من صعوبة وضيق التنفس. وغالبا ما يصف المرضى الشعور المصاحب للتنفس أثناء تلك النوبات، بأنه مشابه لأخذ شهيق عميق من هواء الشتاء البارد. وبمرور الوقت يصبح التنفس مؤلما وأكثر صعوبة، وغالبا ما يصاحب بكحة شديدة وصوت صفير صادر من الرئتين مع كل نفس. وتحدث نوبات الأزمة الشعبية عندما تتعرض الشعب التنفسية داخل الرئة إلى عوامل بيئية خارجية، تتسبب في التهابها واحتقانها، ومن ثم ضيقها وانسدادها. ورغم أن الشخص الطبيعي قد يتعرض لنفس تلك العوامل البيئية دون أن يصاب بضيق التنفس، إلا أن مرضى الأزمة الشعبية تتميز رئاتهم بنوع من الحساسية المرضية، مما يجعلها تستجيب لنفس العوامل بشكل مفرط وغير طبيعي.
ويشار إلى أن مرض الأزمة الشعبية مرضٌ قديمٌ جدا، ذكره الأطباء في العصور اليونانية القديمة ووصفه الصينيون منذ قرون، إلا أن الطب الحديث لازال غير قادر على تحديد السبب الأساسي وراء هذا السلوك المرضي من الرئتين، ولذا تظل الأزمة الشعبية في القرن العشرين وفي عصر البيوتكنولوجي وزراعة الأعضاء، مرضا غير معروف السبب. ولكن إن كان الأطباء لم يدركوا بعد السبب خلف إصابة البعض بالأزمة الشعبية، إلا أن قائمة العوامل المسؤولة عن زيادة معدلات الإصابة إلى مثل هذا الحد الوبائي أصبحت شبه مؤكدة. وتحتل رأس هذه القائمة ظروف الحياة الحديثة التي أصبحنا نعيشها حاليا، مثل انخفاض الاعتماد على التهوية الطبيعية وزيادة الرطوبة داخل المنازل وانتشار استخدام السجاد و"الموكيت"، وهي عوامل يعتقد الكثيرون أنها عوامل خطر للإصابة بالأزمة الشعبية خصوصا بين الأطفال. ولكن أغرب النظريات التي تحاول تفسير زيادة معدلات الإصابة بالربو، تلقي باللائمة على تطور الرعاية الصحية التي شهدها الإنسان خلال العقود القليلة الماضية. هذه النظرية تدعي أن تطور الطب والعلاج وخصوصا في مجال تطعيم الأطفال، منع إصابتهم بالكثير من الأمراض المعدية التي كانت تصيب أقرانهم من قبل. هذا الوضع جعل جهاز المناعة شبه (مستريح) معظم الوقت، وجعله يوجه طاقاته لمهاجمة الجسم بدلا من الميكروبات والفيروسات كما كان الوضع عبر تاريخ الجنس البشري. وهناك أيضا النظرية القائلة بوجود علاقة بين تدخين الأم وبين إصابة جنينها في مرحلة لاحقة من حياته بالأزمة الشعبية. ويمكن أن نضيف تلوث الهواء إلى قائمة الأسباب التي تدفع بالأزمة الشعبية نحو الزيادة المطردة بين أفراد الجنس البشري، وخصوصا تلوث الهواء الناتج من عوادم السيارات واحتراق وقود "الديزل" والفحم وعمليات التعدين والمحاجر، والتي تنتج جميعها جزيئات خاصة معروف عنها تسببها في تدهور حالات المرضى المصابين بالأمراض المختلفة للقلب والرئتين. هذه النظرية لا زالت محل جدل شديد بين العلماء، ولكن بغض النظر عما إذا كانت صحيحة أم لا، فإن نوعية الهواء وما يحمله من حبوب لقاح أو جزيئات احتراق تؤثر بشكل كبير في شدة الأعراض التي يعاني منها مرضى الأزمة الشعبية. فمنذ عدة أعوام قامت منظمة الصحة العالمية بنشر نتائج دراسة أجريت في كل من فرنسا والنمسا وسويسرا، أظهرت أن عدد من يلقون حتفهم نتيجة الأمراض التنفسية والقلبية الناتجة عن تلوث هواء المدن بعوادم السيارات، يزيد على عدد من يقتلون كل عام جراء حوادث الطرق.
وبحسب الدراسة، يتسبب استنشاق الهواء الملوث لعوادم السيارات لفترات طويلة، في وفاة 21 ألف شخص كل عام من مواطني الدول الثلاث سابقة الذكر، وهو رقم يزيد على ضعف من يقتلون في الدول نفسها بسبب حوادث الطرق، حيث لا يزيد عدد هؤلاء على 10 آلاف في العام الواحد. وأظهرت الدراسة أيضا أن عوادم السيارات وحدها، مسؤولة عن ثلث الجزيئات السامة الملوثة للهواء في المدن.
ويقدر أيضا الباحثون الذين قاموا بالدراسة، أن عوادم السيارات تعتبر السبب المباشر في إصابة حوالي 300 ألف طفل سنويا بالتهاب الشعب الهوائية، وتدهور الحالة الصحية لـ15 ألفاً آخرين من المصابين بالأمراض القلبية، إلى درجة تتطلب إدخالهم وحجزهم في المستشفيات لتلقي العلاج اللازم. ويقدر الباحثون أيضا أن التكلفة المالية للتعامل مع هذه المشكلات الصحية، تزيد على 27 مليار يورو في السنة الواحدة في تلك الدول الثلاث فقط.
ومثل هذا الإدراك الحالي للعوامل والأسباب التي تؤدي إلى الإصابة بالأزمة الشعبية، جعل البعض يفكرون في إمكانية