لطالما ألقت أفغانستان بظلالها القاتمة على الساحة الدولية خلال العقود الثلاثة الماضية. لكنها مرت بلحظات كان يمكن لها أن تسهم في بسط السلام العالمي وتغيير وجه التاريخ العالمي المعاصر. هذا ما يقوله الكتاب الذي نعرض هنا، "حياتي في حركة طالبان"، لمؤلفه الملا عبد السلام ضعيف، الذي شغل منصباً وزارياً وعين سفيراً لبلاده في باكستان إبان حكم "طالبان" لأفغانستان، ثم أُلقي القبض عليه إثر الاجتياح الأميركي لأفغانستان بعد هجمات 11 سبتمبر، وأمضى سنوات عديدة بين معتقلي سجن جوانتانامو. ففي فبراير 1989، وبينما كان يغادر آخر الجنود السوفييت أراضي أفغانستان، طار إلى العاصمة الباكستانية إسلام أباد، وزير الخارجية السوفييتي شيفرنادزه، في أول زيارة يقوم بها مسؤول سوفييتي رفيع لباكستان، في محاولة لإقناع رئيسة الوزراء بنظير بوتو، والجيش وأجهزة المخابرات الباكستانية، بالموافقة على صفقة اقتسام مؤقت للسلطة بين الحكومة الشيوعية الحاكمة في كابول، وحركة المجاهدين الأفغان التي تخوض حرباً ضدها. وكان أمل شيفرنادزه أن تؤدي تلك الصفقة إلى انتقال سلمي للسلطة إلى أيدي المجاهدين. ومن رأي مترجمي هذا الكتاب الذي كتب بلغة البشتو في الأصل -أليكس ستريك وبارنيت آر. روبن، وهما باحثان متخصصان في الشؤون الخارجية ويقيمان في قندهار- أنه وفيما لو وافقت إسلام أباد على مقترحات شيفرنادزه تلك، لأمكن تجنب الحرب الأهلية الأفغانية التي قوّت شوكة حركة "طالبان" كما اتضح لاحقاً. بل كان ممكناً تفادي الملاذات الآمنة التي وفرتها الحركة لمقاتلي "القاعدة" خلال فترة حكمها لكابول، ما يعني إمكانية تفادي هجمات 11 سبتمبر نفسها. لكن المشكلة أن الولايات المتحدة وإسلام أباد، اتفقتا على إهانة السوفييت في أفغانستان، انتقاماً للدعم الذي قدمته موسكو لشيوعيي فيتنام الذين تسببوا بهزيمة نكراء لأميركا. وبالنتيجة، تحولت "طالبان" إلى الخطر الذي هي عليه اليوم، سواء لواشنطن أم لحلفائها المقربين، بمن فيهم إسلام أباد. وحسب السيرة الذاتية الواردة في الكتاب، فقد ولد عبد السلام ضعيف عام 1968، بإحدى قرى إقليم قندهار الفقيرة المتربة. وفقد والديه مبكراً. وعقب الاجتياح السوفييتي عام 1979، اضطرت عشيرته للفرار إلى باكستان، لكنه عاد سراً إلى موطنه لينضم إلى صفوف المجاهدين، وهو لم يزل في الخامسة عشرة عمره. وخلال الثمانينيات، واصل ضعيف أداءه للخدمة العسكرية تحت إمرة عدد من القادة، بمن فيهم الملا محمد عمر الذي لا يزال يكن له ضعيف قدراً كبيراً من الولاء والاحترام. وعند حضور ضعيف للاجتماع التأسيسي لحركة "طالبان"، بايع جميع المقاتلين الملا عمر على الطاعة والولاء. وعقب تسلم الحركة مقاليد الحكم في كابول، انتقل ضعيف، الذي كان قد حمل لقب الملا سلفاً، لتولي ميزانية وزارة الدفاع. وفي مرحلة مبكرة من هذه السيرة المتمردة، عبّر المؤلف عن مشاعر كراهيته لأميركا، وبقي عليها حتى نهاية كتابه، الذي ربما يرى فيه كثير من المسؤولين الأميركيين، كتاباً معادياً لبلادهم. وقد تعمقت كراهية الكاتب لأجهزة المخابرات الباكستانية، عقب تعيينه سفيراً لبلاده في إسلام أباد. وهناك فصّل الكاتب استمرار مقاومته لمحاولة تلك الأجهزة استقطابه في صفوفها بمختلف الوسائل والطرق. وفي عام 2001، كان ضعيف المسؤول الأفغاني الوحيد القادر على التواصل مع البعثات الدبلوماسية الغربية المقيمة في كابول. وكانت تلك هي الفترة نفسها التي تزايدت فيها ضغوط واشنطن على بلاده لإرغامها على تسليم أسامة بن لادن، المتهم بتدبير هجمات 11 سبتمبر. وقال المؤلف إنه لم يكن في تصور الملا عمر حينئذ، أن تصل التهديدات الأميركية المعلنة، إلى حد الحرب الواسعة على بلاده وحكومته. غير أن ذلك هو ما حدث بالفعل. وفي عام 2002، ألقي القبض على ضعيف وتم تسليمه إلى القوات الأميركية، حيث أمضى أربع سنوات في سجن جوانتانامو، ليفرج عنه بعدها دون محاكمة أو توجيه اتهامات إليه. لكنه خرج من السجن غاضباً على واشنطن وحربها ضد بلاده، بقدر ما هو غاضب على تعاون إسلام أباد معها. عبدالجبار عبدالله الكتاب: حياتي في حركة "طالبان" المؤلف: عبد السلام ضعيف الناشر: مطبعة جامعة كولومبيا تاريخ النشر: 2010