يقرأ هذا الكتاب في إطار السجال السياسي المحتدم بين الديمقراطيين وخصومهم الجمهوريين عقب انتخاب الرئيس الأميركي الحالي أوباما. فأثناء زيارة الأخير إلى عدد من الدول الأوروبية، بعد توليه مهامه الرئاسية، كانت لدى أوباما قناعة بأهمية تقديم اعتذار للأوروبيين عن استئساد القوة الأميركية عليهم، تمهيداً لدعوته إلى إقامة شراكة أطلسية حقيقية على أساس الندية والمساواة. وكرر أوباما الاعتذار نفسه في سياق آخر، أثناء زيارته إلى منطقة أميركا اللاتينية. كما جاء الخطاب الشهير الذي وجهه إلى العالم الإسلامي من القاهرة، مشحوناً هو الآخر بالاعتذار عما ارتكبته بلاده من أخطاء في تعاملها مع المسلمين، خاصة خلال سنوات إدارة الرئيس السابق بوش. وكذلك حمل مضمون اللقاء الذي أجرته معه "قناة العربية" اعتذاراً شبيهاً. وفي هذا الكتاب الذي نعرضه هنا، "لا اعتذار"، يتلخص المحتوى العام الذي أراد خصمه الجمهوري المحافظ "مت روميني"، التعبير عنه. فليست أميركا بحاجة للاعتذار لأحد، لأن في ذلك ضعفاً لا يليق بها، بصفتها الدولة الأعظم في عالم اليوم، من وجهة النظر المحافظة التي يحملها المؤلف. بل إن لقوة أميركا أهمية حاسمة، ليس بالنسبة لها فحسب، إنما هي ضرورية لمستقبل العالم كله، خاصة في ظل التحديات التي بدأت تثيرها أمام القوة الأميركية، قوى دولية تسعى إلى تشكيل العلاقات الدولية اليوم لصالحها، على حساب التفوق الأميركي. فهناك على سبيل المثال حكومات دول مثل الصين والهند وروسيا، لا تكف عن الصعود واحتلال مساحات أكبر من حجمها ووزنها في الساحة الدولية، قياساً إلى الثقل الأميركي وتأثيره المستمر على هذه الساحة، بما يرجح كفة توازن القوى الدولية لصالح واشنطن دائماً. وبالإضافة إلى تنامي دور الدول التي ذكرها المؤلف، فهو لا يغفل تنامي دور الإسلام في الساحة الدولية نفسها، وهو ما يصفه بالصعود الخطر للإسلام. لكن ليس الكتاب مجرد دفاع إيديولوجي أعمى عن تفوق أميركي مطلق لا يتأثر بالظروف ولا المتغيرات المحيطة. ففي جانب آخر من كتابه، يطيل المؤلف النظر إلى دروس التاريخ ذات الصلة باضمحلال الإمبراطوريات والقوى العظمى السابقة. ومن تلك الزاوية يستطرد المؤلف في عقد المقارنات ورصد أشكال اضمحلال القوة الأميركية، التي أعطت أميركا مكانتها الاستثنائية الخاصة في عالم ما بعد نهاية الحرب الباردة. وحسب رأيه، فقد حدث تراجع كبير ومستمر في القاعدة الصناعية القومية، بينما تراجع كذلك أداء النظام التعليمي، ما أسفر عنه انحسار عدد المهندسين والعلماء وغيرهم من المهنيين المتخصصين من ذوي الصلة المباشرة بالتقدم التقني العلمي الذي عرفت به أميركا طوال عقود صعودها الدولي. ويضيف الكاتب إلى مظاهر الاضمحلال التي تشهدها بلاده في الوقت الحالي، الممارسات المالية الفاسدة التي أدت إلى تورطها في الأزمة المالية الاقتصادية الراهنة. ومن الطبيعي في رأيه أن تلقي كل تلك المظاهر بتأثيراتها السالبة على مستقبل نمو القوة الأميركية، خاصة وأن أميركا باتت مثقلة بعبء الديون الخارجية الهائلة، إضافة إلى تزايد حجم الضرائب المفروضة عليها. وعليه، فهي ليست على استعداد كاف لمواجهة التحديات الجديدة التي تنتظرها. وبحسب منطق الفكرة الأساسية للكتاب، فإن أميركا بحاجة عاجلة إلى الإصلاح والتجديد. وأول ما تحتاجه أميركا لتحقيق هذا الهدف، هو الأفكار الجديدة الجريئة، القادرة على حل أعقد المشاكل التي تواجهها، بغية استعادة نفوذها وقوتها. وبعد أن حدد الكاتب علة الداء وأصل العلاج، يمضي في الجزء الأخير من كتابه في ما يشبه الوصفة العلاجية المطلوبة لتجاوز هذا الضعف. وتتسم هذه الوصفة بالبساطة والبعد عن التعقيد. فمن الواجب مثلاً إعادة بناء القاعدة الصناعية الأساسية، وخلق مزيد من الوظائف وفرص العمل للمواطنين، وخفض معدلات الإنفاق غير المسيطر عليه، إضافة إلى إجراء إصلاحات جذرية على النظام التعليمي وإعادة تأهيله بما يمكنه من تخريج أعداد أكبر من المهندسين والأطباء والتقنيين. وتشمل الخطة التي دعا إليها الكاتب، إعادة تأهيل وإصلاح الجيش الأميركي الذي قصمت ظهره ثماني سنوات من الحروب المتصلة في العراق وأفغانستان. وقبل ذلك كله، يدعو المؤلف جميع الأميركيين إلى إظهار التزام واضح بقيم المواطنة وواجباتها، وأن يكون لهم هدف واحد مشترك بينهم، أساسه الحفاظ على قوة أميركا وثقل تأثيرها على المسرح الدولي. كما سبق القول، فإن الكتاب كله تكريس لفكر المحافظين الذين لا يرون عظمة أميركا إلا في استئسادها وهيمنتها على غيرها من دول العالم، على عكس ما عبّر عنه أوباما منطلقاً من فكر خصومهم الليبراليين. لكن السؤال: هل يتحقق للمحافظين حلم الهيمنة الأميركية المطلقة على عالم اليوم؟ عبدالجبار عبدالله ------- الكتاب: لا اعتذار: الحجة على عظمة أميركا المؤلف: مت روميني الناشر: مطبعة سانت مارتن تاريخ النشر: 2010