شكل غزو العراق واحتلاله من قبل القوات الأميركية- البريطانية منعطفا حاسما وخطيرا في التطور السياسي لهذا البلد ولمجمل المنطقة العربية والعلاقات الدولية. وعلى خلفية الحرب المدمرة التي شنتها الولايات المتحدة ضد بلد عربي ثم احتلاله وإسقاط نظامه، يتجه الكتاب الذي نعرضه فيما يلي إلى تناول أهم القضايا التي أثارها "احتلال العراق" ومجمل الذيول والتداعيات التي أطلقها على غير صعيد في الداخل العراقي وفي الوطن العربي، كما في المحيطين الإقليمي والدولي. وقد اشتمل الكتاب على 17 دراسة، أعدها كتاب وباحثون عرب، حول مقدمات وأهداف الغزو الأميركي البريطاني للعراق، والاستراتيجية الأميركية لتفتيته، ونتائج الاحتلال وآثاره، وأخيرا مستقبل العراق والنظامين العربي والدولي.
في دراسة حول "المشروعية الدولية" للحرب الأميركية على العراق، يوضح محمد الهزاط أنها حرب كانت تمثل تجاوزا سافرا للشرعية الدولية ولقواعد القانون الدولي. فهي انتهاك لـ"مبدأ الحل السلمي للخلافات الدولية"، ولـ"مبدأ عدم اللجوء إلى القوة في العلاقات الدولية"، و"مبدأ حظر التدخل في الشؤون الداخلية للدول"، و"مبدأ حق الشعوب في تقرير مصيرها"... ومن ثم فهي "حرب عدوانية"، لكنها بينت أيضا كيف أن "المصالح الحيوية الأميركية تحرف مفهوم الدفاع الشرعي عن النفس... ومن ثم تضعف قيمة القانون الدولي، وتقضم السلطات والصلاحيات الحقيقية لمنظمة الأمم المتحدة".
وفي دارسة أخرى يتناول منار محمد الرشواني دوافع وأبعاد الغزو الأميركي للعراق، متسائلا: لماذا كان ذلك الغزو ضرورة أميركية وخيارا استراتيجيا لا بديل عنه؟ ثم يناقش فرضية النفط كدافع أساسي وراء ذلك الغزو، ويرى أن الدافع الحقيقي وراء الغزو الأميركي للعراق إنما هو كونه "مركزا شديد الأهمية بالنسبة للرأي العام العربي والإسلامي"، بمعنى أن "العراق ذا القوة العسكرية الجبارة في نهاية الثمانينيات من القرن العشرين، بدا مدعاة لفخر الشعوب العربية، فتجدد أملها في النهوض واستعادة حقوقها، وبعد سنوات من اليأس واعتياد الهزائم والعدوان، بدا العراق نموذجا محققا لإمكانية بروز دولة عربية تملك أسلحة دمار شامل وتشكل رادعا لأي عدوان خارجي، بما في ذلك الاعتداءات الإسرائيلية المدعومة أميركيا على المستويات كافة". فـ"روح الشعوب العربية"، كما يعبر الكاتب، ظلت ولا تزال العدو الأساسي للولايات المتحدة في المنطقة، ومن ثم تركزت السياسات الأميركية في هذا الصدد، وبشكل أساسي، على إلحاق هزيمة معنوية بالشعوب العربية.
وفي دارسة أخرى حول "تغيير الثقافة باستخدام السياسة"، خلال تجربة الولايات المتحدة في العراق، يرى حسين علي الحاج أن هناك سببا رئيسيا آخر يسبق سبب النفط ألا وهو رغبة أميركية ملحة نحو إعادة صياغة التركيبة الثقافية والاجتماعية التي ستفضي بدورها إلى تحولات سياسية. ويذكر الكاتب في هذا السياق أنه بعد تفجيرات 11 سبتمبر جرى نقاش مستفيض في الدوائر الأميركية حول كيفية التعامل مع الخلفيات التي تفرز الإرهاب وتذكيه، وبدا لهذه الدوائر السياسية والأكاديمية والأمنية أن تركز على البيئة الثقافية والدينية التي تولد التطرف ومن ثم الإرهاب. ومن هنا جاء غزو العراق كمقدمة للتأثير على بيئته الثقافية والاجتماعية ومن ثم على باقي الوطن العربي.
أما نادر فرجاني فيرى في دراسة له أن الأهداف والدواعي الحقيقية لغزو العراق، هي ما أعلن عنه وزير الخارجية الأميركي كولن باول في لحظة انكشاف حينما قال "إن غزو العراق سيتيح للولايات المتحدة فرصة إعادة ترتيب المنطقة بما يخدم مصالحها"، أي أن الإدارة الأميركية هي بصدد تنفيذ ما يسمى "مشروع القرن الأميركي" بدءا بالمنطقة العربية، ويعني ذلك أربعة أمور أساسية: هيمنة مطلقة للغرب على نفط العرب، وتطويق كامل لإيران، وهيمنة مطلقة لإسرائيل على مقدرات كامل المنطقة، وأخيرا تحويل المنطقة إلى مختبر لمشروعات الهيمنة الأميركية على باقي أنحاء العالم.
وفي القسم الثاني الذي يتناول "استراتيجية التفكيك الكياني للعراق"، توضح دارسة لعبد الإله بلقزيز أن تدمير الدولة العراقية لم يكن من "المضاعفات الجانبية" لإسقاط النظام، وإنما "كان كذلك مقصودا ومعدا بعناية". ويوضح الكاتب ذلك بقوله "إن الغزو والعدوان والاحتلال وإزاحة السلطة المركزية في بغداد بالعنف الخارجي المسلح... هي أدوات وظيفية لإعادة وضع كيان العراق على طاولة الجراحة الكولونيالية: استئنافا لجراحات سابقة قطعت أوصال الوطن العربي".
أما صباح ياسين فيلقي الضوء على ما يرى أنه "تفكك البنى الحزبية العراقية في إطار المشروع الأميركي"، ويرى في هذا الصدد أن سياسة تفتيت الآخر وتعجيزه عن تنفيذ سياسات وبرامج اقتصادية، أو إثارة مشكلات داخلية، "أضحت اليوم جزءا من سياسة دائمة تمارسها الولايات المتحدة". وهذا ما تؤكده "حالة تشرذم المجتمع السياسي العراقي" بعد الاحتلال الأميركي، الأمر الذي يعني "أننا اليوم عند نقطة الصفر في الحياة السياسية العراقية". وفي د