شبكات التواصل الاجتماعي: نفوذ وانتشار
ليس أقرب الناس وأعزهم لديك، هم الوحيدون الذين يؤثرون على صحتك وسعادتك، لكن هناك أيضا أناسا ربما لم تقابلهم على الإطلاق يفعلون ذلك. فأنت قد ترى صديقا لك يدخن، وتميل لتقليده فيما يفعل فتصبح أنت ذاتك مدخنا، وقد ترى وزن صديق لك وقد ازداد فلا ترى مانعا من أن تكون مثله. وقد يقنعك صديق غني مثلا بالخروج لقضاء أمسية في مكان راق، فلا تتردد خلال تلك الأمسية في تقليده فيما يفعل؛ كدفع مئات الدولارات لشراء سيجار كوبي فاخر، رغم أنك تتردد كثيرا في إنفاق مثل هذا المقدار من المال في ظروف أخرى وربما على أشياء أكثر أهمية.
ونحن جميعا معتادون على فكرة التأثر بالأقارب والأصدقاء والزملاء عندما يتعلق الأمر بخيارات متعلقة بأنماط عيشنا.. لكن ما الذي يحدث عندما ندرك أن أقرب الناس وأعزهم لدينا، ليسوا هم من يتحكمون فيما نأكله وفيما نرتديه، وفيمن نرتبط بهم، وإنما هم أناس لم يسبق أن قابلناهم البتة في حياتنا، وربما لن نقابلهم أبدا.
حسب "نيكولاس كريستاكيس"، أستاذ علم الاجتماع بجامعة هارفارد، وجيمس فاولر أستاذ العلوم السياسية بجامعة كاليفورنيا -سان دييجو، مؤلفا كتاب "موصول: القوة المدهشة للشبكات الاجتماعية وكيف تصوغ حياتنا"، الذي نعرضه هنا، فإن الشبكات الاجتماعية "تؤثر على كل جانب من جوانب حياتنا؛ "فأصدقاء أصدقائنا، وزملاؤهم في العمل، وشركاؤهم في المشاريع، وهم أناس لم يسبق لنا مقابلتهم، أصبح لديهم اليوم القدرة على التأثير على كل شيء في حياتنا، بدءا بالطريقة التي ندلي بها بأصواتنا في الانتخابات، وانتهاء بأدق تفاصيل حياتنا. وليس معنى هذا أننا نلعب دور الجانب السلبي في موضوع التفاعل، فالحقيقة أن هذه القدرة متبادلة، بمعنى أننا نحن ذاتنا نستطيع التأثير على تصرفات ومعتقدات وجوانب حياة أناس لم يسبق أن قابلناهم وربما لن نقابلهم أبدا. لذلك يمكن مثلا لشقيق زوجة أحد معارفك على إحدى شبكات التواصل الاجتماعي عبر الإنترنت أن يوحي لصديقك بفكرة ينقلها إليك هذا الصديق عند تواصلك معه، فتجعلك أكثر نحافة أو أكثر بدانة، أو قد تدفعك لزيارة مدينة ما على سبيل النزهة والسياحة، أو لإجراء تغيير ما على نمط حياتك المعتاد. كما تستطيع أنت أيضا أن يكون لك نفس هذا التأثير على هذه الجوانب أو غيرها من حياة صديقك على شبكة التواصل الاجتماعي.
ووفقا للمؤلفين، فإن الصلات التي تربطنا وتصوغ تفاصيل حياتنا في ذات الوقت، تقوم بدورها لأن هناك ميلا غير واع للاختلاط مع الناس الذين يشبهوننا في الطباع والميول، ويشاركوننا في التطلعات والطموحات. وهما يريان أن هذا تحديدا هو السبب الذي يجعلنا نبدو مشابهين لأصدقائنا -الذين لم نرهم- في المظهر فنرتدي ما يرتدونه لمجرد أنهم يخبروننا عنه في محادثة على شبكة الإنترنت.
ووفقا لعلماء الاجتماع الأميركيين، يمتلك الفرد البالغ العادي منا أربعة أصدقاء مقربين فقط، رغم أنه قد يعرف مئات الأشخاص بالاسم أو بالشكل. ومع ذلك ورغم قربنا من هذا العدد المحدود من الناس، فإن كل واحد منهم يرتبط بأصدقاء، وبأفراد عائلة، وبزملاء في العمل، وجيران في المسكن... وكل واحد من هؤلاء الأصدقاء، والأقرباء، والزملاء، والجيران، يرتبط بدوره مع عدد من الأصدقاء، وأفراد العائلة، وزملاء العمل، وجيران السكن... وهكذا دواليك، ليتضح أن كل فرد على ظهر هذه المعمورة مرتبط بهذه الكيفية بجميع الأفراد الآخرين الذين يعيشون فوقها.
لذلك قد نعتقد أن الشبكات الاجتماعية محدودة الإطار، لكن الحقيقة أننا مرتبطون ببعضنا ارتباطا واسع النطاق. ويقول مؤلفا الكتاب "إنك لست بحاجة لأن تكون سوبر ستار حتى تحقق ذلك، بل كل ما تحتاج إليه هو أن تتصل بصديق على شبكة من شبكات التواصل الاجتماعي على الشبكة العنكبوتية.
وأبرز تلك الشبكات على وجه الإطلاق هي شبكة "فيس بوك" التي أصبحت تلعب دورا كبيرا في التواصل بين ملايين البشر، بل أصبحت تستخدم كأداة فعالة في الاتصال بين الأصدقاء والمجموعات عند الحاجة لتنسيق القيام بعمل ما، أو حركة ما، في إطار اجتماعي أو سياسي؛ كالتظاهر ضد مؤتمر ما، أو حتى الاحتجاج ضد الإجراءات التي تتبعها حكومة دولة ما، أو المطالبة بحق من الحقوق... فيقرر أعضاء الشبكة من خلال التواصل معا الخروج في ساعة معينة، وفي أماكن معينة، وبأعداد معينة، لتنظيم الاعتصام، أو الاحتجاج، أو المظاهرة، أو القيام بسلوك معين، مثل مقاطعة سلعة ما أو مقاطعة التعامل مع جهة ما، لفترة محددة من الوقت، و يتم الالتزام بهذه المقاطعة من قبل كل أصدقاء الشبكة في وقت واحد وبدرجة عالية من التنسيق، تفوق ما كان يحدث في الواقع العملي قبل ظهور شبكات التواصل الاجتماعي مما يقدم دليلا على الدور الخطير الذي أصبحت تلك الشبكات تلعبه في حياتنا المعاصرة.
سعيد كامل
الكتاب: موصول: القوة المدهشة للشبكات الاجتماعية وكيف تصوغ حياتنا
المؤلفان: نيكولاس كريستاكيس وجيمس فاولر
الناشر: هاربر برس
تاريخ النشر: 2010