في التاسع عشر من يناير2010، حقق المرشح الجمهوري "سكوت براون" نصرا مذهلا ومزعجا للديمقراطيين في آن، وذلك عندما فاز بالمقعد المخصص لولاية ماساشوستس في مجلس الشيوخ الأميركي الذي شغله السيناتور الراحل تيد كنيدي (ديمقراطي)، والذي كان واحدا من أكثر أعضاء الكونجرس ليبرالية على الإطلاق، خلال الأربعين عاما الماضية. وقد أدى فوز براون إلى تقليص الأغلبية العددية التي كان الديمقراطيون يتمتعون بها في مجلس الشيوخ إلى 59 عضوا، وهو ما كان يعني عملياً إنهاء قدرتهم على التصويت، وتمرير أي مشروع قرار، بغض النظر عن أساليب التعطيل التي قد يلجأ إليها المعارضون. وفي نفس الوقت الذي حدث فيه ذلك الفوز التاريخي الجمهوري، كانت إدارة أوباما قد دخلت في فترة من الركود السياسي العميق، لدرجة دفعت معظم الناس للاعتقاد أن مشروع أوباما الذي يضعه على قائمة أولوياته، والخاص بإصلاحات منظومة الرعاية الصحية، سوف يموت موتا بطيئا. غير أن ما حدث بعد مرور شهرين على ذلك، وتحديدا في الحادي والعشرين من مارس الجاري، هو أن مجلس النواب مرر مشروع القانون الشامل للرعاية الصحية بفارق ضئيل، أي بـ219 صوتاً مقابل 212. كان ذلك بمثابة نصرا تاريخيا، غيّر بين عشية وضحاها حظوظ أوباما، وحظوظ القيادات الديمقراطية في الكونجرس وعلى رأسها رئيسة المجلس التي خاضت معركة شرسة من أجل تمرير مشروع قانون شامل للرعاية الصحية، وليس مشروعا مختزلا. فضلا عن ذلك، أدى انتصار أوباما إلى ترسيخ وضعية قيادته وسلطته في المدى القصير، سواء في الولايات المتحدة أو في مختلف أنحاء العالم. ومنذ أسبوع فقط، كان أوباما يبدو ضعيفا إلى درجة تعددت معها الأحاديث والتكهنات التي رأى بعضها أن رئاسته سوف تكون رئاسة فاشلة ولن تستمر أكثر من مدة واحدة فحسب، خصوصا إذا خسر التصويت على اعتماد مشروع قانون الرعاية الصحية. ففي المجال الخارجي، بدا أوباما كما لو كان يعامل بقدر من الاستهانة من جانب الرؤساء في الخارج، خصوصا رئيس الوزراء الإسرائيلي العنيد نتنياهو. ورغم أن أوباما ونتنياهو لا يزال بينهما الكثير من الأمور غير المحسومة، وخصوصا فيما يتعلق بالمستوطنات الإسرائيلية، فإن إدارة أوباما تكتسب في الوقت الراهن قدراً من الزخم شبيهاً بذلك الذي كانت تتمتع به عندما فاز رئيسها في انتخابات نوفمبر 2008. ليس هناك من يعتقد أن الأمر سيكون سهلا أمام أوباما من الآن وحتى موعد انتخابات التجديد النصفي للكونجرس. يرجع ذلك لأسباب عديدة منها على سبيل المثال، أن الاقتصاد لا يزال ضعيفا، وأن نسبة البطالة عالية، والتحديات سواء في العراق وأفغانستان كبيرة، والعلاقات مع الصين تزداد سوءاً. ومع ذلك يمكن القول بشكل عام إن أجندة أوباما للسياسة الخارجية تبدو أفضل حالا. فالانتخابات في العراق كانت ناجحة، حتى وإن كانت المحصلة النهائية لتلك الانتخابات لم تتبين حتى الآن، فضلا عن أن باكستان انقلبت 180 درجة في علاقتها مع "طالبان" حليفها السابق، والتي تخوض ضدها في الوقت الراهن حملة ضارية للقضاء على التمرد الذي تشنه عليها. بالإضافة لذلك هناك احتمالات جيدة لإمكانية إبرام معاهدة استراتيجية جديدة للحد من الأسلحة مع روسيا خلال الشهور القادمة، واحتمالات أن تكون روسيا على استعداد للمضي قدما نحو فرض المزيد من العقوبات على إيران، رغم أن ذلك لن يكون كافياً في نظر الولايات المتحدة وأوروبا وإسرائيل. الشيء الذي يبقى غير مؤكد حتى الآن هو المواجهة المستمرة مع إيران بشأن برنامجها النووي، وما إذا كان نتنياهو سيكون على استعداد للعمل بشكل منفرد، وتوجيه ضربة ضد المنشآت الإيرانية أم لا، علما بأن المستشارين العسكريين والمدنيين في البنتاجون يعارضون بشدة أي استخدام للقوة ضد إيران إلا في حالة إقدامها على عمل متهور. وليس من الواضح ما إذا كانت الولايات المتحدة تمتلك صلاحية فيتو كاملة على الأنشطة الإسرائيلية أم لا. ومع ذلك، لا شك أن عودة أوباما الواثق من نفسه للظهور مجدداً سوف تجبر هؤلاء الذين كانوا يفكرون في تحديه بشكل مباشر على التوقف برهة والتفكير من جديد. والجمهوريون في الكونجرس بمجلسيه، والذين لم يدعم أحد منهم مشروع قانون الرعاية الصحية، سيحاولون جعل موضوع التصويت هو الموضوع الكبير الذي يطغى على ما عداه من موضوعات في انتخابات التجديد النصفي للكونجرس. غير أن ما أتوقع حدوثه في ذلك الوقت هو أن العديد من الأميركيين سوف يدركون أن قانون الرعاية الصحية يتضمن الكثير من المنافع لهم، وسيكونون حريصين على عدم السماح لأحد بانتزاع تلك المنافع منهم. في نفس الوقت يقوم الجمهوريون بكل ما من شأنه وسم حزبهم بأنه الحزب الذي يستطيع قول "لا" ويرفض على طول الخط، وهو نهج وإن كان يروق للقاعدة الصلبة من دوائرهم الانتخابية، فإنه بالتأكيد ليس النهج الذي يمكن أن يحظى بدعم الغالبية العظمى من الأميركيين. لذلك فالاحتمال الأرجح هو أن يستمر الجمهوريون في المحافظة على سيطرتهم على مجلسي النواب والشيوخ في نوفمبر المقبل، حتى وإن فقدوا بعض المقاعد، لأن هذا هو ما يحدث عادة مع الحزب الحاكم في السنوات التي لا تكون فيها انتخابات رئيسية. إن ما تكشف خلال الأسابيع القليلة الماضية، وبوضوح كبير، هو مقدار الارتياب وعدم قابلية التنبؤ اللذين يسمان الديمقراطية. فالمناورات التي دارت في الكونجرس من أجل تمرير قانون الرعاية الصحية على سبيل المثال، لم تكن من النوع الذي يروق للمرء مشاهدته بحال. لقد بدت الديمقراطية خلال ذلك أشبه ما تكون بمصنع النقانق، من حيث أن الجميع لا يهتمون بمعرفة المكونات التي تستخدم فيه طالما أن منتجه النهائي جيد... فهذا هو المهم. ورغم ذلك، يمكن القول إن الديمقراطيين، في الوقت الراهن على الأقل، قد استعادوا ثقتهم بأنفسهم، وهو ما سينعكس حتما على مكانة أميركا في العالم.