لقد أصبح حجم الاقتصاد الجنوب أفريقي اليوم أكبر بالثلثين مقارنة بما كان عليه في العام 1994 عندما تقلد نيلسون مانديلا منصب أول رئيس منتخب بطريقة ديمقراطية في البلاد، لكن مع هذا النمو الاقتصادي الذي تشهده جنوب أفريقيا تزايد الطلب على الطاقة، وعلى الكهرباء بوجه خاص، فقد تمكن الملايين من مواطني جنوب أفريقيا الذين كانوا مهمشين في ظل التمييز العنصري من الاستفادة من شبكة الربط الكهربائي. وعلى غرار باقي الاقتصادات الناشئة في العالم لم تستطع جنوب أفريقيا مواكبة الطلب المتزايد، الذي فاق الاحتياجات الحقيقية للطاقة، والأكثر من ذلك أن هامش الاحتياطي المتوفر حالياً لا يلبي كل الطلب المتزايد على الكهرباء، ويظل قاصراً عن تزويد البلاد بجميع احتياجاتها، لا سيما المعامل ومجمل القطاع الصناعي الذي يعتمد في جزء كبير منه على توافر الطاقة بأسعار تنافسية، ليتمكن من الاستمرار والحفاظ على ريادته في أفريقيا. ورغم النجاح الذي حققه الاقتصاد الجنوب أفريقي، ومقاومته لرياح الأزمة الاقتصادية العاتية وخروجه بأقل الخسائر قياساً للاقتصاد في الغرب، فإنه مع ذلك مازالت فئات عريضة من الشعب تئن تحت وطأة الفقر، كما تظل نسبة البطالة مرتفعة بشكل لافت، حيث تصل إلى 24 في المئة وهو معدل مرتفع بالمقاييس الدولية، لذا يتعين خلق المزيد من الوظائف. إذا أرادت جنوب أفريقيا الحفاظ على نسبة النمو المرتفعة والدفع بعجلة الاقتصاد، الأمر الذي يحتم علينا توسيع قدرتنا على توليد الطاقة بأسعار معقولة، وذلك بالاعتماد على ما يشكل في الوقت الحالي مصدراً مهماً ومتوفراً بكثرة متمثلا في الفحم الحجري. ولأن الوقت ليس مناسباً كي تبحث شركة الكهرباء المسؤولة عن توليد الطاقة في جنوب أفريقيا، "إيسكوم"، عن تمويل لمشروعها الرائد، والذي تصل كلفته إلى 50 مليار دولار، فإننا نعمل حالياً على الاستفادة من مصادر تمويل لم نجربها من قبل مثل البنك الدولي وبنك التنمية الأفريقي، وبنك الاستثمار الأوروبي، غير أن المشكلة تكمن في الصعوبات التي واجهت طلبنا الحصول على قرض يصل إلى 75.3 مليار دولار من البنك الدولي، بحيث يرى العديد من الخبراء في البنك وخارجه أنه يتعين الإحجام عن تقديم قروض لمشاريع الطاقة التي تساهم في انبعاث الغازات المسببة للاحتباس الحراري مثل ثاني أكسيد الكربون، ونحن وإنْ كنا نشارك الجهات الدولية انشغالها بشأن المشاريع التي قد تؤدي إلى التغير المناخي، فإننا نعتقد أيضاً بأن الطريق الذي اختارته جنوب أفريقيا، هو المسلك الوحيد الذي سيوفر احتياجاتنا من الطاقة بأسعار معقولة؛ ولا بد من التأكيد في هذا السياق أن الجزء الأكبر من القرض، أي ثلاثة مليارات دولار، سيذهب إلى بناء محطة لتوليد 4800 ميجاوات من الطاقة في محافظة "ليمبوبو" بجنوب أفريقيا، كما أن هذه المحطة والتي تعتبر الأولى من نوعها في أفريقيا ستستخدم أفضل التكنولوجيا المتوفرة حالياً للتقليل من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون وترشيد استهلاك الكهرباء، أما ما تبقى من القرض أي حوالي 745 مليون دولار، فسيتم استثماره في مشاريع توليد الطاقة الشمسية وطاقة الرياح التي ستنتج مائة ميجاوات، كما سيعمل المشروع على تحسين التقنيات الموجودة وتطويرها مستقبلًا. ولا ننسى أن جنوب أفريقيا تتعامل مع معضلة التغير المناخي والحاجة إلى تقليص الانبعاثات التي يتسبب فيها الوقود الأحفوري بأقصى درجات الجدية، فقد عملنا مع الصين والهند والبرازيل على صياغة تفاهم أنقذ مؤتمر الأمم المتحدة حول التغير المناخي الذي عقد في شهر ديسمبر الماضي بكوبنهاجن وأخرجه من عنق الزجاجة بعد وصول المواقف الدولية إلى طريق مسدود، وهو ما حدا بالسيناتور، جون كيري، رئيس لجنة "العلاقات الخارجية" بمجلس الشيوخ الأميركي إلى وصفنا مع شركائنا الثلاثة "بالفرسان الأربعة في مجال التغير المناخي". أما داخلياً، فنحن نقوم بخطوات ملموسة لخفض انبعاثات ثاني أكسيد الكربون بنسبة 34 في المئة في العام 2020، وبنسبة 43 في المئة بحلول 2025، كما نستخدم جميع الآليات المتاحة لدينا سواء كانت تشريعية، أو تنظيمية، أو مالية لتشجيع التوجه إلى الطاقة النظيفة والمتجددة، ولو لم نواجه في جنوب أفريقيا ضرورة ملحة لتوفير الطاقة اللازمة للاقتصاد، فلا شك أننا كنا سنستثمر في الطاقة الشمسية، أو طاقة الرياح وغيرها من التكنولوجيات الجديدة في هذا المجال، لكننا لا نملك هذا الترف بالنظر إلى احتياجاتنا المستعجلة وضرورة الوفاء بالتزاماتنا تجاه مواطنينا وعموم المنطقة التي يرتبط اقتصادها بجنوب أفريقيا، فنحن نقوم بتوليد 60 في المئة من إجمالي الكهرباء التي يتم إنتاجها في أفريقيا جنوب الصحراء، كما أن تضاؤل الإمدادات لا يؤثر فقط على جنوب أفريقيا، بل يمتد أيضاً إلى الدول المجاورة مثل بوتسوانا وليسوتو وناميبيا وسوازيلاند وزيمبابوي التي تعتمد جميعها على شركة إيسكوم. والسؤال الذي يفرض نفسه اليوم هو ما إذا كان التسبب في إعاقة النمو الاقتصادي سيخدم أهدافنا بعيدة المدى المتمثلة في خفض انبعاثات ثاني أكسيد الكربون مع ما يقتضيه ذلك من أموال واستثمارات في التكنولوجيات الجديدة، الحقيقة أن ذلك لن يكون سهلاً في ظل اقتصاد يعاني أصلًا من نقص في الطاقة وغير قادر على النمو بوتيرة توفر الأموال المطلوبة. برافين جوردان وزير المالية في حكومة جنوب أفريقيا ينشر بترتيب خاص مع خدمة "واشنطن بوست"