يبدو أن الحديث عن الأغنياء أثار شجون الكثيرين بحيث تحول إلى سجال بلا نهاية وكأنه جرح متجدد لم يفلح الملح في إسكات نزفه. فالحل هنا ليس فقط ما يدفعه الأغنياء للمجتمع، فالأمر يتعلق بقضية المسؤولية الاجتماعية، ومدى المشاركة الفعلية التي يؤديها الغني في المجتمع. وأن يثار في بعض وسائل الإعلام ما يفيد بأن دولة خليجية تصدر خادمات من بناتها، فهذا، إذا ثبت صحته، قد يعني إن هناك خللاً كبيراً واضحاً، وإلا لماذا لم تكن السويد بلادا للخدم أيضاً؟ الخلل لا يكمن في صدقات وذكاوات الأغنياء، بل إنه يكمن في العطايا وعدم توجيهها إلى من يستحقونها ، فالمال ليس ملكا لصاحبه فقط، وفي القرآن الكريم آية تقول: "ففي أموالهم حق معلوم للسائل والمحروم"، وهذا النص يمكن اعتباره إعلاناً صريحاً لضمان حقوق الفقراء، ودور المجتمع في مساعدتهم، ومد يد العون لهم. والواقع يقول إن تجاهل الأغنياء لاحتياجات المجتمع مشكلة، لكن ليس لدى جميع الأغنياء هذه الحالة من الأنانية، بل هناك من هم أصحاب فضل كبير، ولكن هذا الفضل ينبغي أن يتجاوز كفالة أيتام، أو منح طالب علم مالاً لينفق على علمه. العطاء لابد وأن يذهب لأبعد وأكبر من هذا، فحتى المشاريع التنموية لابد لها من تمويل ودعم ودراسات تعزز من دورها ومطالبها الاجتماعية، وهذا قد يشمل رصف الطرق مثلاً أو ترميم المنازل في إحدى المناطق البعيدة، والتي يعجز أصحابها عن دفع تكلفتها. وحتى المدارس تحتاج أيضاً إلى دعم وتمويل، فليس من المفترض أن يتخلى البعض عن واجباته تجاه الوطن بحجة أننا دولة غنية، ولدينا ميزانيات كبيرة، فالولايات المتحدة أغنى دول العالم، لكنها أكثرها وعياً بالمسؤولية الاجتماعية وبأهمية المشاركة في دعم المشاريع الإنسانية المهمة. هنا أيضاً تأتي أهمية العمل التطوعي الذي يعد أيضاً عملاً غير واضح الأبعاد في مجتمعنا، فبعض جمعيات النفع العام تراجع دورها الريادي الذي اتصفت به خلال العقود الماضية، ولم تستطع أن تُخرّج، أو تؤهل أجيالاً جديدة من المتطوعين في العمل الاجتماعي بحيث يصبح لدى تلك الجمعيات كوادر بشرية مُلمة بأهمية عملهم الإنساني النبيل. فالعطاء ليس بالمساهمة المادية فقط، بل إنه أيضاً يشمل الجهد والفكر والإحساس والإيمان بضرورة أن يكون لكل فرد في المجتمع مشاركته الفاعلة الإيجابية في محيطه. وقد نلحظ أن بعض المدارس الخاصة الأجنبية لديها هذه النزعة في التوجه إلى زرع قيمة التطوع لدى طلابها، ولكن بجهود موجهة إلى دول أفريقية فقيرة. هو بالتأكيد فكر إنساني نحمد عليه، ولكن البحث عن الاحتياج الاجتماعي القريب سيعمل على تعزيز هذا السلوك لدى النشء، وسيؤثر بالضرورة مستقبلاً على فكره. هؤلاء الصغار سيتحولون في المستقبل إلى أصحاب لديهم حس اجتماعي عالٍ ولهم دورهم في محيطهم. كل هذا بحاجة إلى دعم مالي مقدم من أغنياء، حققوا ثروات من فرص متاحة في هذا المجتمع، وعليه كان لزاماً عليهم أن يشاركوا في هموم الناس مشاركة فاعلة ومؤثرة ولها نجاحاتها الملموسة، والتي ينبغي أن تستند إلى فكر نبيل يعمل على تلاحم اجتماعي مشترك، يؤكد أن مجتمعنا جسد واحد.