التوظيف... مسألة أمن مجتمعي
هل يعقل أن الأسباب التي رفض بها جيلنا وجيل من سبقنا وجيل من لحقنا العمل في بعض القطاعات هي نفسها إلى اليوم؟! هل الوظائف التي كان يرفض أن يلتحق بها المواطن والمواطنة في الثمانينيات والتسعينيات هي ذاتها اليوم؟! لا أعتقد ذلك صحيحا ولا يبدو منطقيا إلا من وجهة نظر مروجي تلك الأسباب الذين لا يجدون مبررات جديدة لرفض قبول المواطنين والمواطنات في الأعمال لديهم. فالشاب الإماراتي صار يعمل في كل مجال بل لا يخجل أن يعمل ميكانيكيا في كراج يملكه، وأن يتدرب في سوبر ماركت، ولا تتردد الفتاة أن تعمل موظفة استقبال في فندق محترم. وهذه نماذج نراها يوميا مما يعني أن اتهام الشباب بأنهم جميعا يريدون أن يكونوا مدراء ويفضلون العمل المكتبي ولا يرغبون في وظائف أخرى، أمر غير صحيح، وهذه مبررات تحبذ دراستها جيداً من قبل مجلس الوزراء أو المجلس الوطني الاتحادي ليتم وضع النقاط على الحروف.
المشكلة مع شركات القطاع الخاص أنها لا تريد أن تدفع "رواتب جيدة" وليست "عالية" -كما تدعي- فهي تقبل بالرخيص لترفع هامش الربح، والحكومة لا ترغب في الضغط على هذه الشركات حفاظاً على مبدأ حرية السوق.
لننظر إلى رواتب الموظفين في سنغافورة أو الدول الاسكندنافية وبعض دول أوروبا، فسنجد أن الشركات تحترم المواطنين هناك وتعطيهم الرواتب التي تتناسب ومستوى المعيشة في تلك الدول. وهذا هو الأمر الطبيعي أما وجود عدد كبير من الوافدين الذين يأتون إلى الإمارات ويقبلون العمل برواتب متدنية لأنها مقارنة بدخلهم في دولهم الأصلية تعتبر ممتازة، فهذا لا يجب أن ينطبق على الموظف المواطن الذي يعيش في بلده ويصرف كل دخله فيه وليس كمن يخطط ليشد الحزام سنتين أو ثلاثا أو خمسا ثم يعود إلى بلده وقد كون ما يكفيه للعيش بصورة كريمة بقية حياته.
لنكن منطقيين ونحن نتعامل مع شباب الوطن ولا تجب مقارنتهم بالقادمين من الخارج، فكثير من حملة الشهادات العليا والمؤهلات المتميزة يقبلون برواتب متدنية لأنهم في بلدانهم لا يحصلون على وظيفة أصلا... فلماذا يتحمل الإماراتي مشكلات دول أخرى ومجتمعات أخرى في حين أنه يمكن أن يكون أفضل مما هو عليه!
إن مسالة توفير فرص العمل تحوي الكثير من التفاصيل، لكن النقطة الرئيسية فيها هي الإدراك بأن أهم ما نملكه في البلد هو الإنسان المواطن الذي هو رأس المال الحقيقي وفيه يكون الاستثمار الباقي. ولا ننسى بأن الإمارات حالة خاصة لتتبنى بعض القرارات والإجراءات اللازمة للحفاظ على مواطنيها واستقرارها وأمنها. فمسألة الحصول على الوظيفة المناسبة وعلى الحياة الكريمة تؤثر بشكل مباشر على استقرار المجتمع وأمن البلد وهو ما يجب أخذه بعين الاعتبار... عندما تكون هذه القضية ذات علاقة بأمن المجتمع واستقراره، يلزم أن نراجع أنفسنا من هم القائمون على شؤون التوظيف، سواء في القطاع الخاص أو العام؟
فلب الكلام هو في وجوب توفير فرص عمل للمواطنين في القطاع الحكومي ووجود خطط واضحة للإحلال. أما القطاع الخاص فيكون اختياريا لمن يرغب العمل فيه دون ضغط عليه. وبعد الانتهاء من توطين القطاع الحكومي يمكن البدء بالضغط على القطاع الخاص. فالتعيين في القطاع الحكومي أهم لتوافره على الوظائف الحساسة التي تناسب المواطنين. أما في القطاع الخاص فليبقى المجال للتنافس بين المواطن وغيره ممن لديه الرغبة والقدرة على إثبات الذات أمام الخبرات القادمة من الخارج.
وهذا الأمر منطقي إذا ما عرفنا أن عدد العاملين في القطاع الحكومي والعام يقدر بحوالي 630 ألفاً في عام 2009، عدد المواطنين منهم لا يتجاوز 255 ألفاً، أي نحو 40 في المئة من إجمالي العاملين في القطاع الحكومي. أما العمالة في القطاع الخاص فتقدر بـ2.9 مليون عامل لعام 2009، العمالة المواطنة منها حوالي 69 ألفاً فقط أي حوالي 1.5 في المئة.
لقد كان صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم خلال زيارته معرض الوظائف في دبي أول أمس واضحا عندما أمر بفتح باب التوظيف أمام أبناء وبنات الوطن، وطالب بالتنسيق بين الجهات المعنية من أجل استيعاب أفواج الخريجين... ولو تم تنفيذ هذه التوجيهات وجرى التنسيق الذي طالب به سموه بين الجهات، فسنرى كيف أن المشكلة تنتهي، خصوصا إذا عرفنا أن عدد الخريجين المواطنين في الجامعات والكليات والمعاهد في داخل الدولة وخارجها يقدر بـ8500 خريج سنويا، وإذا ما علمنا أن القطاع الحكومي يستوعب 4 في المئة تقريبا من إجمالي العمالة أي حوالي 25000 وظيفة جديدة سنويا، والقطاع الخاص باستطاعته توفير ما لا يقل عن 60 ألف وظيفة سنوياً... فأين تكمن المشكلة؟ ولماذا لا يجد الخريجون الوظائف؟ ولماذا الراغب في تحسين وضعه الوظيفي لا يستطيع الحصول على وظيفة جديدة؟! فعلى الرغم من وضوح الأرقام ما يزال هناك إصرار على عدم منح فرص العمل للشباب المواطن وإلقاء اللوم عليهم!