تصاعدت في الأعوام الأخيرة ظاهرة "التخويف من الإسلام" في الغرب، رغم الجهود العربية والإسلامية التي بذلت لعلاج هذه الإشكالية، لاسيما من خلال اللقاءات والمؤتمرات والندوات والحوارات العديدة، وأهمها مؤتمر قمة حوار الأديان الذي عقد في الأمم المتحدة. فقد كانت كلها تهدف إلى خلق حالة من التعايش السلمي بين الأمم والحضارات والأديان والثقافات، بحيث تسود روح التسامح والمحبة واحترام كل طرف خصوصيات الطرف الآخر، الثقافية والدينية والحضارية. فبعد منع ارتداء الحجاب في فرنسا، والاستفتاء الخاص بمنع بناء المآذن في سويسرا، واستخدام الجيش البريطاني نماذج على شكل مآذن في تدريب جنوده على إطلاق النار... خرجت مظاهرات في بريطانيا تطالب بمنع بناء المساجد. وما يقلق في هذه الظاهرة المتنامية، كونها تنطلق من التوجهات المستقبلية لليمين الغربي المتطرف، والذي ما فتئ يعمل على تعميق مثل هذه السياسة في مجتمعاته، بهدف خلق حالة من الصدام بين الأديان وبين الحضارات، حيث تحول وهم الخوف من الإسلام وخرافة الخشية من أسلمة أوروبا إلى هاجس نفسي مقلق! لقد أصبحت إدانة الإسلام جزاءً لا يتجزأ من العقلية الأوروبية، وهذا باعتراف العديد من الخبراء والمحللين. وهنا يكمن الخطر، حيث يطالب البعض من هؤلاء المتطرفين باستخدام أسلوب "التطهير العرقي" ضد المسلمين. إن هذا الخوف المصطنع من الإسلام في الغرب، والذي يحاول اليمين المتطرف تعميقه وجعله سياسة شاملة يخيف بها الناس في المجتمعات الغربية، ما هو إلا عبارة عن وهم وخرافة، هدفهما في النهاية هو استمرار حالة التأزم بين الشرق الإسلامي والغرب المسيحي، واستمرار حالة عدم الاستقرار والارتباك المستمر بخصوص هذا الخوف، لتحقيق أهداف سياسية واقتصادية. ويدرك هؤلاء أنه عندما يحل الخوف محل العقل، تكون النتيجة دوماً في صالح تحقيق مثل هذه الأهداف، لأن الناس لا تميز، في إطار الثقافة المصطنعة، بين المخاوف الحقيقية والمخاوف الوهمية المزيفة، حتى ولو تحول هذا الخوف إلى قوة سلبية تستهدف إضعاف الشخصية الوطنية الغربية! قد يكون المسيؤون للإسلام في الغرب قلة، كما تقول الكاتبة البريطانية كارين آرمسترونج، لكن المشكلة تتمثل في أن غالبية المجتمع الأوروبي والأميركي لا تفهم مبادئ الإسلام ولا تدرك سماحته ولا تعرف أنه دين رحمة وسلام، مما أتاح المجال أمام المتطرفين لبث أفكارهم وزرع الكراهية ضد الإسلام بين الجماهير هناك. لقد تحدث العديد من المثقفين والمفكرين الغربيين المسلمين وغير المسلمين عن خطورة هذا النهج على نسيج المجتمع الغربي نفسه، وعلى علاقات التعايش القائمة بين الإسلام والمسيحية منذ مئات السنين؛ لأن أثر ذلك قد يتسلل عميقاً في عملية صنع سياسات الغرب الخارجية تجاه العالم الإسلامي وينتهي إلى نوع من الهيمنة السياسية والثقافية. ولتوضيح جانب من الصورة، يقول المفكر الألماني المسلم مراد هوفمان، إن الشعوب الغربية التي نشأت على الإباحية والغرق في الشهوات والملذات، ترى في الإسلام كديانة، تقييداً لحرية الفرد؛ فهو يحرم الخمر، ويمنع الزنا، ويفرض الحجاب... وهذه الأشياء لم تتعودها العقلية الغربية. وبما أن الإسلام ينتشر بازدياد ملحوظ في البلاد الغربية، فقد أوجد هذا الانتشار السريع حالة من الرعب لدى بعض المتطرفين اليمينيين، لذلك -يقول هوفمان- فقد وضع جنرالات "الناتو" في حساباتهم أن أكثر المواجهات العسكرية احتمالاً في المستقبل لن تكون إلا مع الإسلام، لأنه "العدو المتنامي المرتقب الذي ينتشر بقوة"!