مؤشرات استثماريّة واعدة
لا شكّ في أن الحيوية التي يتمتع بها الاقتصاد الوطني تمثّل أهم عوامل الجذب التي تجعله وجهة مفضّلة لرؤوس المال الأجنبية والمحلية الباحثة عن فرص استثمارية واعدة في المنطقة، خاصّة في ما يتعلّق بأنشطة الاندماج والاستحواذ؛ فقد تمكّن الاقتصاد الإماراتي بفضل حيويّته من اجتذاب نحو 65 صفقة دمج واستحواذ في عام 2009 كأكبر عدد من هذا النوع من الصّفقات يحدث في دولة واحدة في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، كما ورد في التقرير السنوي لمؤسسة "أرنست آند يونج"، ليستحوذ على نحو 18.5 في المئة من إجماليّ صفقات الدمج والاستحواذ في المنطقة البالغ 353 صفقة خلال ذلك العام.
ولم تقتصر النقاط الإيجابيّة للاقتصاد الوطني في هذا الشأن عند هذا الحدّ، بل استطاع أن يوجّه معظم استثمارات الدمج والاستحواذ الواردة إليه من الخارج إلى القطاع الصناعي، الذي في ما يبدو قد بات وجهة مفضّلة لتلك الاستثمارات، حيث نال 11 صفقة دمج واستحواذ خلال عام 2009، باستثمارات تبلغ قيمتها نحو 941 مليون دولار. وبجانب ذلك، فقد احتلّ القطاع المصرفي، المموّل الأكبر للأنشطة الاقتصادية في الدولة، المرتبة الأولى بين الوجهات المفضّلة لصفقات الدمج والاستحواذ المنفّذة باستثمارات محلية خلال العام الماضي، حيث استحوذ هذا القطاع على 39 صفقة بقيمة استثمارات تبلغ 3.6 مليار دولار.
وتنطوي هذه المؤشّرات على دلالات مهمّة بالنسبة للاقتصاد الوطنيّ، أهمها أنه ما زال يحتل المرتبة المتقدّمة بين اقتصادات منطقة الشرق الأوسط في ما يتعلّق بقدرته على اجتذاب صفقات الدمج والاستحواذ، وأن رؤوس الأموال، سواء المحلية أو الأجنبية، سواء العاملة في الاقتصاد الإماراتيّ، أو الوافدة إليه من الخارج، قد بات لديها الوعي الكامل بأهمية الدخول في صفقات دمج واستحواذ مع كيانات واستثمارات أخرى لتكوين كيانات أكبر وأقوى في مواجهة "الأزمة الماليّة العالميّة" وغيرها من الأزمات الاقتصاديّة والماليّة المحتمَلة في المستقبل، والاستعداد لفترة ما بعد الأزمة بتأسيس كيانات قادرة على المنافسة.
كما أن توجّه الاستثمار في صفقات الدمج والاستحواذ في الإمارات إلى القطاع الصناعي والقطاع المصرفي يعبّر عن مدى حيويّة هذين القطاعين وأهميتهما المتزايدة بالنسبة للاقتصاد الإماراتي، خاصة القطاع الصناعي الذي يعدّ إحدى أهم الآليّات التي تتبناها الدولة لتنفيذ أهداف التنويع الاقتصادي بعيداً عن القطاع النفطي، كما أن اهتمام تلك الاستثمارات بالقطاع المصرفي يأتي في إطار التوسّع المحموم والفرص الاستثمارية الواعدة في القطاع، كونه المموّل الأول للأنشطة الاقتصادية في الدولة، المتوقّع أن تشهد مزيداً من الازدهار في ظلّ النمو الاقتصادي الإماراتي المتوقّع خلال السنوات المقبلة. كما يعدّ توجه تلك الاستثمارات إلى القطاع المصرفي آليّة جيدة في أيدي القائمين على هذه الصفقات لمواجهة المنافسة العالمية المتوقّع أن تزداد حدّةً خلال السنوات المقبلة مع اكتمال تعافي الاقتصاد العالمي من آثار الأزمة.
ومن جهة أخرى، فإن اختيار القائمين على صفقات الدمج والاستحواذ في المنطقة لدولة الإمارات لتكون الوجهة الأولى لهم، يمثّل مؤشراً مهمّاً إلى أن الدولة تولي الكثير من الاهتمام لهذا النوع من الصفقات، وأنها تشجّعه بشتى الطرق من خلال تطوير البنيتين، التنظيمية والتشريعية، بشكل يتناسب مع احتياجات المؤسّسات والمستثمرين الباحثين عن فرص للدّمج والاستحواذ. ويدلّ ذلك على توافر الخبرة اللازمة لإتمام هذا النوع من الصفقات أيضاً.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
عن نشرة "أخبار الساعة" الصادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية