تتواصل الحملة التي يشنها جورج دبليو بوش للفوز بولاية ثانية في منصبه كرئيس، في هذه الفترة السابقة للانتخابات التي ما زالت تفصلنا عنها مدة 5 أشهر. وما زال الخبراء، بسبب انقسام البلاد في هذا الشأن، عاجزين عن التنبؤ بما إذا كان الرئيس بوش سيفوز. غير أنهم متفقون على أن الأحداث غير المتوقعة من الممكن أن تقع على رغم ذلك فتجعل من بوش إمّا صاحب نصر كبير أو صاحب إخفاق ذريع. ففي هذه الأثناء، وتحديداً في الأسابيع القليلة الماضية، حدثت تطورات عديدة بما فيها تلك المرتبطة بالسياسة الخارجية، وأحدثت تغيرات في استطلاعات الرأي العام الأميركي. وقد باتت نسبة المؤيدين لـبوش أقل مما كانت في السابق، لكنه لم يخرج من ميدان السباق.
وهناك واحد من أهم العوامل المؤثرة في الرأي العام الأميركي بخصوص ما إذا كان ينبغي إعادة انتخاب بوش، وأعني بذلك عامل الفوضى المستمرة في العراق. فقبل سنة من الآن، أي عندما تم التخلص من نظام صدّام بالغزو الذي تقوده الولايات المتحدة، كان بوش يحظى بشعبية ضخمة في الرأي العام الأميركي. ومع تدهور الأوضاع في العراق، صارت نسبة مؤيدي بوش تتناقص تدريجياً بحسب ما أظهرته استطلاعات الرأي العام الأميركية؛ وتقوّضت الثقة في بوش على نحو خطير بفعل التطورات الأخيرة. فهناك الآن 55% من الأميركيين يقولون إنه لا يقوم بالممارسات الصحيحة في العراق، في مقابل 44% فقط من الأميركيين الذين يرون غير ذلك. ولدى سؤالهم عمّا إذا كانوا يعتقدون بأن لدى بوش خطة واضحة في العراق، يجيب 44% من الأميركيين بـ"نعم"، في مقابل 35% يجيبون بـ"لا".ويعني هذا أن العنف المتواصل، ولا سيما سقوط قتلى بين الأميركيين في العراق، يُحدِث تآكلاً في مصداقية بوش بخصوص تلك المسألة.
وأظهر استطلاع للرأي أُجري في الآونة الأخيرة وجودَ تناقص مفاجئ في الدعم الشعبي لبعض أعضاء الكونغرس المنتمين إلى الحزب الجمهوري الذي ينتمي إليه بوش؛ وإذا كان هؤلاء يظنون أنهم قد يخسرون في انتخابات الكونغرس، فمن المحتمل أن ينأوا بأنفسهم عن بوش. وهناك الآن أعضاء جمهوريون بارزون، بمن فيهم السيناتور جون ماكين والسيناتور تشاك هيغل، يوجهون انتقادات شديدة إلى نهج احتلال العراق وجوانب أخرى من سياسة بوش. وقد أثار انشقاق هؤلاء عن بوش قلق المستشارين السياسيين في البيت الأبيض، الذين يحاولون المحافظة على تماسك الحزب من أجل الانتخابات، وفي هذا مشكلة من الممكن أن يكبر حجمها.
وتشكّل حرب بوش على الإرهاب مسألة رئيسية يتمتع استناداً إليها بأغلبية واضحة من المؤيدين. لكن ماذا لو وقع هجوم إرهابي كبير آخر على الولايات المتحدة قبل الانتخابات الرئاسية؟ يعتقد الخبراء أن ذلك من شأنه أن يساعد بوش من الناحية السياسية لأن الجمهور الأميركي سيصاب بالذعر وسيريد تجنب أي تغيير في القيادة، لكن هذا على المدى القصير فقط. وإذا وقع الهجوم في وقت قريب من موعد الانتخابات، فمن الجائز أن يستفيد بوش سياسياً؛ لكن وقوعه قبل موعد الانتخابات بفترة أطول يعني أن من الممكن ألاّ يستفيد بوش. فبعد أن تتعزز نسبة مؤيديه في بادئ الأمر، سيبدأ الناس في التفكير في سبب عدم قيام بوش بفعل المزيد لكي يحميهم، ومن الممكن لذلك في الواقع أن يلحق الضرر بفرص إعادة انتخابه.
حتى وفاة الرئيس السابق رونالد ريغان- الذي تولى الرئاسة من عام 1981 حتى عام 1989- أصبحت جزءاً من النقاش الدائر حول الانتخابات. فوسائل الإعلام الأميركية كلها غطّت مراسم تشييع الجنازة ووقائع تكريم ذكرى ريغان في العاصمة واشنطن وفي موطنه ولاية كاليفورنيا، وهي الوقائع التي دامت لأسبوع تقريباً وكانت مناسبة لساعات كثيرة من الخطابات والتعليقات الإعلامية حول الرئيس السابق. واستغل مؤيدو بوش هذه الفرصة للتأكيد على خصال رونالد ريغان التي قالوا إنهم معجبون بها في شخصية الرئيس الحالي بوش، وذلك في محاولة منهم لتصوير الرئيس بوش بصورة الزعيم القوي والناجح. وتحجج المؤيدون بأن ريغان وقف في وجه الاتحاد السوفييتي وساعد على تحقيق انهياره، وذلك بفعل مقاومته الثابتة للشيوعية وهي المقاومة المستندة إلى مبادئ. وقال هؤلاء إن ريغان تعرض للانتقادات في ذلك الحين، لكنه برهن في النهاية أنه كان على صواب. غير أن خصوم بوش يتحججون بأن ريغان، بخلاف بوش، كان يفضّل عدم استخدام القوة، وبأن السياسة الخارجية التي انتهجها ريغان كانت فيها هي الأخرى عيوب ونواقص، وذلك على غرار ما حدث في تدخله في لبنان ومحاولته استرضاء الإيرانيين آنذاك.
والرئيس السابق بيل كلينتون أيضاً يلعب دوراً في هذه الانتخابات بنشر كتاب مذكراته في هذا الصيف. وقد وجّه كلينتون انتقادات علنية إلى سياسة بوش الخارجية، ومن المتوقع أن يقدّم كتابه وصفاً تفصيلياً واسعاً لمنهج سياسة خارجية يختلف كثيراً عن منهج الرئيس بوش الذي خلف كلينتون في منصب الرئاسة. وهناك أيضاً قدر كبير جداً من الاهتمام الشعبي العام بكتاب كلينتون الذي وصلت مبيعاته المسبقة قبل طرحه في المكتبات إلى مستويات مرتفعة جداً،