أشعر بالأسى والألم والخطر من تصاعد حدة موجة الاغتيالات في العراق، وتصاعد حالة العمليات الإرهابية في المملكة العربية السعودية، حيث إن هذا الأمر يعني أن الوضع في المنطقة العربية يمر بأزمة شديدة ومنعطف خطير يجب الانتباه له جيداً وإدراك حدة خطورته، خاصة بعد أن تبين أن هناك أيدٍ خفية وأجهزة مخابرات عديدة تعبث وتلعب من وراء الستار بأمن المنطقة وفق استراتيجية منظمة ودقيقة. إن هذه الأيدي تستخدم كل الأدوات والأساليب والأقنعة والشعارات والأيديولوجيات لتمرير مشروعها الإرهابي داخل المنطقة العربية. وقد أشار ولي العهد السعودي الأمير عبدالله بن عبدالعزيز بصراحة ووضوح إلى جهاز "الموساد" الصهيوني، لأنه في تصوري هو المستفيد الأول والأساسي من تحريك أدوات اللعبة الإرهابية والفوضى الأمنية في هذه المرحلة التي تحتل فيها أميركا أرض العراق وتهيمن على المنطقة العربية بأكملها.
إن هذا الارتفاع الحاد في حالة العنف في المنطقة ما هو إلا مؤشر دقيق للإفرازات السياسية والعسكرية "الخاطئة" التي أحدثتها حالة الحرب على أفغانستان والعراق. وهذه الإفرازات التي بدأت تظهر الآن بصورة تدريجية تؤكد تماماً صورة الخطأ الاستراتيجي الذي اتخذته الولايات المتحدة بخصوص موضوع مكافحة الإرهاب. وهذا الخطأ جاء باعتراف الولايات المتحدة الأميركية نفسها على لسان ريتشارد باوتشر المتحدث الرسمي باسم وزارة الخارجية الأميركية والذي أكد على أن التقارير السابقة التي وضعها كبار المسؤولين في إدارة الرئيس بوش بخصوص نجاح سياسة مكافحة الإرهاب والتي كانت تعلن عن تراجع حالة الإرهاب ما هي إلا تقارير خاطئة، وأن الحقيقة هي أن حالة الإرهاب في المنطقة العربية والعالم زادت زيادة حادة بعد تطبيق هذه السياسة.
وبصراحة أن كل المؤشرات تقول إن هذه السياسة أيضاً لم تنجح حتى في حل إشكاليات الدول التي احتلتها أو تعمل على عودة السلم الاجتماعي إليها. في أفغانستان مثلاً لا زالت التقارير تشير إلى أن الشعب الأفغاني يعيش في وضع سيئ من الناحية الأمنية والسياسية والاقتصادية. أمراء الحرب عادوا من جديد في صراعاتهم والمخدرات عادت من جديد وزادت في الانتشار، والهاجس الأمني في كابول مستمر ولا يستطيع الأفغاني أن يخرج بعد صلاة العصر بين قرية وأخرى. هناك حوادث نهب وقتل بمعدلات مخيفة. الصواريخ تسقط على القواعد الأميركية والانفجارات مستمرة والوعود بالتعمير كلها تبخرت والقضاء على ما تسميه الولايات المتحدة الأميركية بالإرهاب لم يتم.
وفي العراق بعد سنة من الاحتلال وبعد تشكيل الحكومة الانتقالية، الانفلات الأمني مستمر، وشلال الدم يحصد مئات الضحايا الأبرياء. حالات الاغتيال والجريمة والاغتصاب والسرقة في تزايد، والظروف المعيشية من سيئ إلى أسوأ. التقدم الاجتماعي والاقتصادي لم يتحقق، وأحداث سجن أبوغريب لا زالت مستمرة. لقد تم تحريك الطوائف والعرقيات ولبننة التشكيل الحكومي والعمل على ظهور مراكز قوى وأحزاب وميليشيات، وعودة فكرة إقامة دولة كردية مستقلة عن العراق. وأخطر هذه الإفرازات الآثار البيئية التي أغرقت العراق بمئات الأطنان من اليورانيوم المستنفد ولوثت التربة بين 10 مرات و500 مرة فوق الحد الطبيعي للإشعاع. والآثار الاجتماعية والنفسية والاقتصادية والسياسية التي قد تحتاج إلى سنوات طويلة ومبالغ كبيرة طائلة للإنفاق على علاجها.
وحقيقة الأمر أن استراتيجية سياسة مكافحة الإرهاب بالطريقة التي اتبعتها الولايات المتحدة الأميركية، هي السبب الرئيسي الذي أشعل حالة العنف والإرهاب في المنطقة، ووسع من دائرته وأنتج مثل هذا النوع من العمليات الإرهابية وعدل اتجاهاته وتوجهاته، وزاد من خطورته وحوّل جماعاته ومنظماته وأفراده وعناصره والمستفيدين منه إلى خلايا سرطانية عنيفة، تمارس العنف بكل قسوة وتضرب وتفجر في كل مكان وفي كل موقع، ولا يهمها موت مئات الأبرياء أو ما تخلفه من أضرار جسيمة بالغة القسوة على حركة الحياة والمجتمع بأكمله.