كان رونالد ريجان يتمتع بشعبية كبيرة، وذلك ما كان في وسعنا أن نراه من خلال الأعداد الكبيرة من الأميركيين الذين شاركوا في تكريمه وتشييعه كرئيس وكشخص. وأشعر بعدم الرغبة في استغلال هذه المشاعر الدافئة حيال زعيم راحل، لكنني كنت دوماً أجد أن من الصعب فهم السبب الذي جعل ريجان محبوباً إلى هذا الحد. أجل، لقد كان وطنياً لم تفتر ثقته بنفسه، وكان يتحدث بفخر عن بلده، كما ساعد الأميركيين على استعادة تفاؤلهم بعد سنوات الركود الاقتصادي الصعبة وبعد أزمة الرهائن التي صاحبت الثورة الإيرانية (وهذا ما ساعد ريجان على إلحاق الهزيمة بجيمي كارتر في عام 1980). لكن سياسات ريجان الداخلية والخارجية كانت في كثير من الأحيان تؤدي إلى نتائج معاكسة إلى حد بعيد.
وعندما أنظر إلى الإرث الذي تركه ريجان في الشرق الأوسط، لا أجد إلاّ القليل جداً مما يمكن الافتخار به. فعندما أصبح ريجان رئيساً، سارت إسرائيل ومصر على طريقهما نحو صنع السلام، كما تمت صياغة إطار عام في كامب ديفيد من أجل الخطوات الأولية نحو اتفاق فلسطيني-إسرائيلي. وفي الحقيقة أنه كان من الضروري إنجاز الكثير من العمل لكي يتم التوصل إلى اتفاق جاد. غير أن ريجان كان قليل الاهتمام بالضغط إلى الأمام مستعيناً بأحد أهم إنجازات جيمي كارتر. وربما أن ريجان لم يكن مهتماً جداً بالشرق الأوسط، لكنه أحاط نفسه بمستشارين عازمين كل العزم على التطرق إلى منطقة الشرق الأوسط بطريقة أكثر واقعية من طريقة كارتر. وفي عهد ريجان اشتد توتر جو الحرب الباردة الذي تولّد بفعل غزو الاتحاد السوفييتي لأفغانستان في أواخر عام 1979. وقد تم آنذاك طرح مفردات ومصطلحات جديدة من قبيل "الدول المارقة"، وصار يشار إلى إسرائيل على نحو منتظم باعتبارها "نقطة قوة استراتيجية". ولم يكن في عقلية الريجانيين آنذاك إلاّ مجال ضيق للفروق الدقيقة أو التعقيدات.
ومن الغريب إلى حد ما أن أكتب الآن عن مطلع فترة ريجان، باعتبار أن عدداً كبيراً من الأشخاص الذين كانوا يصوغون آنذاك شكل السياسة ما زالوا حتى الآن يتمتعون بالنفوذ- وهؤلاء هم دونالد رامسفيلد، وبول وولفوفيتز ودوغلاس فيث في وزارة الدفاع، وإليوت أبرامز في مجلس الأمن القومي، إضافة إلى كولن باول في وزارة الخارجية. وكان أرييل شارون آنذاك وزيراً للدفاع في إسرائيل. وفي مطلع عام 1982، أتى شارون إلى واشنطن وأخبر الريجانيين بأن لديه خطة للتدخل في لبنان. وكان وزير الخارجية الأميركي آنذاك الكسندر هيغ قريباً جداً من إعطاء شارون ضوءاً أخضر لتنفيذ خطته. وكانت عواقب "الحرب المفضلة" تلك طويلة الأمد وسلبية بمجملها، بالنسبة إلى كل من إسرائيل والولايات المتحدة، هذا ناهيك عن ذكر لبنان والفلسطينيين.
ولوهلة قصيرة، بدا أن ريجان يدرك أن هناك حاجة إلى فعل شيء ما. ففي خطابه يوم 1 سبتمبر 1982، طرح ريجان بعض المبادئ الجديدة. لكنه تبين في نهاية المطاف أن تلك كانت كلمات فارغة. ذلك أنه لم تكن هناك استراتيجية لتنفيذ الرؤية التي طرحها ريغان في خطابه ذاك. وكنتيجة لذلك، برهن عقد الثمانينيات على أنه حقبة مهدورة فيما يتعلق بصنع السلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين، حيث انتهت بتحويل الشباب الفلسطينيين إلى راديكاليين، وإلى نشوب الانتفاضة وظهور حركة "حماس" كبديل لمنظمة التحرير الفلسطينية.
وفي منطقة الخليج العربي، كانت السياسة الأميركية مشوشة مرتبكة، وهذا أقل ما يمكن أن يقال عنها. فعلى سطحها الظاهر، بدا ريجان وكأنه يلعب لعبة كلاسيكية هي لعبة توازن القوى. وعندما بدا أن إيران تتخذ موقفاً هجومياً، صرنا نميل نحو العراق. وفي الواقع أن العلاقات الأميركية-العراقية استُأنفت في منتصف ذلك العقد، وصار الكثير من الأميركيين، الذين لا يتذكرون الآن إلاّ مدى فظاعة صدّام حسين كزعيم، ينشدون القصائد في مديح صدّام حسين. والسبب واضح، وهو أن الأميركيين بمجملهم كانوا يخافون من وجود جمهورية إيران الإسلامية الثائرة والقوية أكثر مما يخافون من عراق صدّام حسين. ذلك أن صدّام حسين كان على الأقل علمانياً، وقد بدأ بذكاء يلمح في عقد الثمانينيات إلى أنه سيتبنى موقفاً معتدلاً بخصوص إسرائيل. وكان الكثير من الريجانيين يكنّون مشاعر الكره العميقة للرئيس السوري حافظ الأسد، وكان ذلك سبباً آخر للتقارب مع صدّام حسين وتدفئة العلاقات معه. أمّا كارهو صدّام الحاليون، ومنهم دانييل بايبس ولوري ميلوري، فكانوا في عقد الثمانينيات يكتبون عن صدّام حسين على نحو مؤيد له. وقام دونالد رامسفيلد بزيارة صدّام حسين بعد مضي فترة قصيرة على استخدام العراق لغاز الأعصاب ضد الأكراد، ويبدو أنه لم يأتِ إطلاقاً على ذكر هذا الاستخدام الحقيقي لأسلحة التدمير الشامل التي لديه. والكثيرون من أعضاء الكونغرس الأميركي ومجلس الشيوخ كانوا سعداء بالتقاط صور لهم مع صدّام حسين. (أتذكّر الآن لقائي في عام 1990 مع عضو في الكونغرس تم التقاط صورة له مع صداّم، لكنه أخفاها عن الأنظار بعد أن قام صدّام بغزو الكويت).
وفي عالم سياس