شارون: الفساد يحاصره وقسوته على الفلسطينيين تحميه


 فضائح فساد، وانشقاقات، ودسائس سياسية، وخطة انسحاب مثيرة؛ تلك هي أهم عناوين الوضع السياسي لرئيس الوزراء الإسرائيلي أرييل شارون في المرحلة الحالية. فقد أوشكت ثلاث مذكرات لحجب الثقة قدمت إلى البرلمان الإسرائيلي (الكنيست) الاثنين الماضي أن تتسبب في إقالته وإسقاط حكومته؛ وقد عرض المذكرة الأولى حزب "ميريتس" على خلفية الاقتطاعات الكبيرة في ميزانية "الصحة"، فيما قدم الثانية حزب "شاس" تعبيرا عن اعتراضه على السياسات الاجتماعية لحكومة شارون، أما الثالثة فقدمها "حزب الاتحاد الوطني" اليميني احتجاجا على خطته للانسحاب أحادي الجانب من قطاع غزة. وفي خضم النقاش والجدل الحاميين داخل الأوساط السياسية الإسرائيلية حول خطة الانفصال، أصدر شارون قرارا مفاجئا بإقالة وزيرين من اليمين المتطرف هما وزير النقل أفغيدور ليبرمان ووزير السياحة بين إيلون، ثم استقال وزير ونائبه (من الحزب الديني القومي المتطرف) من مهامهما احتجاجا على الخطة.


أما وزيرا المالية بنيامين نتنياهو والخارجية سيلفان شالوم اللذان يتزعمان "انشقاقا" في مراحله الأولى على قيادة شارون داخل حزب "الليكود"، فيصران على ضرورة الالتزام بنتائج الاقتراع الذي جرى في أروقة الحزب في مايو الماضي وأسفر عن رفض الخطة. وإضافة إلى أن 15 نائبا من "الليكود" أعلنوا معارضتهم لخطة الانسحاب، فإن خروج "الحزب الديني القومي" من الائتلاف المؤيد لشارون يقلص غالبيته في الكنيست إلى 55 نائبا من أصل 120 هم أعضاء المجلس، بمعنى أن الإقالات والاستقالات والانشقاقات التي تحيط بشارون هذه الأيام تهز ائتلافه الحاكم وتنذر بإطاحة حكومته. وقد حظيت خطة شارون التي أقرتها حكومته يوم السادس من الشهر الجاري، بأغلبية 14 صوتا مقابل 7 أصوات معارضة، بترحيب كبير من جانب الأمم المتحدة واللجنة الرباعية الدولية، فضلا عن مصر التي طرحت "مبادرة وقف العنف"، لكنها بالمقابل لم تجد قبولا لدى فصائل المقاومة الفلسطينية التي شككت في الخطة واعتبرتها مجرد محاولة "لإنقاذ شارون من مأزقه، ولا علاقة لها بالأمن الفلسطيني أو بإنهاء الاحتلال".


وللتحفظات الفلسطينية ما يبررها في السجل السياسي والعسكري لأرييل شارون الذي يعد "أحد جزاري إسرائيل وأكثر رجالاتها دموية". فأرييل صموئيل مردخاي شرايبر (أرييل شارون) الذي شارك في كل الحروب الإسرائيلية على الفلسطينيين والدول العربية، مولود لأبوين بولنديين في قرية ميلان الفلسطينية عام 1928، أي أثناء الانتداب البريطاني على فلسطين، وما أن بلغ الرابع عشرة من عمره حتى التحق بعصابات "الهجاناه" التي كان يقودها الإرهابي مناحيم بيغن، وقاد إحدى فرق المشاة في حرب 1948 حينما أصيب بعدة رصاصات بينما كان يهم بحرق أحد الحقول، ثم عين ضابط استخبارات في عام 1951، وأثناء دراسته التاريخ والعلوم الشرقية في الجامعة العبرية بالقدس في عام 1952 عين قائدا للوحدة 101 التي من جرائمها الشهيرة مجزرة مخيم قبية عام 1953. وفي حرب عام 1956 قاد شارون كتيبة إنزال في سيناء، وشغل مهمة قائد فيلق مدرعات في حرب 1967، وقاد عملية اجتياح قناة السويس في حرب عام 1973، لكنه استقال من الجيش وفاز نائبا في انتخابات الكنيست في العام نفسه ممثلا عن حزب "الليكود".


 وقبيل انتخابات الكنيست التاسع في عام 1977، شكل شارون حزبا أسماه "سلام صهيون" وعين وزيرا للزراعة حيث استخدم كل صلاحياته لإقامة مستوطنات جديدة في الضفة والقطاع. وبعد انتخابات الكنيست العاشر (1980) عين شارون وزيرا للدفاع حيث خطط ونفذ عملية "سلامة الجليل" أو اجتياح لبنان في يونيو 1982، بهدف تحقيق أمن "المستوطنات الشمالية"، والقضاء على التنظيمات الفلسطينية في بيروت، وإقامة "حكومة قانونية" في لبنان توقع اتفاق سلام مع إسرائيل، وإبعاد السوريين من منطقة بيروت. وأثناء الاجتياح وافق شخصيا على دخول "الكتائب اللبنانية" إلى مخيمي صبرا وشاتيلا الفلسطينيين اللذين شهدا مجازر إبادة جماعية، أكدت لاحقا لجنة التحقيقات الإسرائيلية المستقلة (كاهان) على مسؤوليته فيها، فاضطر إلى الاستقالة من منصبه كوزير للدفاع، وطوي ذلك الملف ولم يفتح إلا في عام 2001، عندما كانت المحاكم البلجيكية على وشك البدء في مقاضاة شارون بتهم جرائم حرب ضد الفلسطينيين، لولا أن محكمة العدل الدولية أنقذته بقرارها الذي أفتى بعدم جواز محاكمة مسؤولين لهم حصانتهم الدبلوماسية. لكن شارون حاصرته فضائح الفساد المختلفة منذ منتصف عام 2003، ففي 30 أكتوبر الماضي استجوبته الشرطة الإسرائيلية للمرة الأولى حول مبالغ غير قانونية استخدمها نجله جلعاد في تمويل حملة والده الانتخابية للفوز برئاسة حزب "الليكود" في عام 1999، ثم استجوبته للمرة الثانية في 5 فبراير الماضي فيما يعرف بـ"فضيحة الجزيرة اليونانية" التي تعود إلى عام 1998 عندما كان شارون وزيرا للخارجية فحصل على رشوة م