تربية الروح
يتكون الإنسان من ثلاثة أجزاء أساسية كلها بحاجة إلى تربية كي يصل الإنسان إلى السواء، فهو جسم أصله من طين، و يصاب هذا الجسم بالعديد من الأمراض التي تستدعي أن يذهب صاحبها إلى الطبيب كي يحصل على الدواء المناسب، كما أن هذا الجسم بحاجة إلى غذاء مناسب، ورياضة منتظمة كي يتمكن الإنسان من النجاح في حياته، وتحقيق طموحاته.
الشق الثاني من مكونات الإنسان هو العقل، والذي بدوره يمرض بملوثات التفكير المختلفة، كما أن العقل البشري بحاجة إلى تنمية وتطوير، وهذا ما تقوم به مؤسسات التعليم المختلفة، أو من خلال الالتحاق بالدورات المناسبة التي تسهم في تنمية مهارات التفكير المختلفة لدى الإنسان.
الشق الثالث من مكونات الإنسان هي الروح، وكما هو شأن بقية مكونات الإنسان تمرض الروح، وهي بحاجة إلى تنمية مستمرة، لأنها للأسف الشديد تصاب بالعديد من الأمراض الروحية المختلفة، كما أنها بحاجة إلى تنمية مستمرة وتربية إيمانية تجعل الإنسان يدرك أسرار وجوده، ويحلق فيما وراء المادة إلى عالم الروحانيات والإيمانيات والغيبيات، ويعيش جنة الخلد وهو يمشي على الأرض، وقد يستغرب البعض من كون الروح تمرض وهي بحاجة إلى تربية، ولكن الله تعالى قال لنا "ونفس وما سواها فألهمها فجورها وتقواها قد أفلح من زكاها وقد خاب من دساها".
ولتربية الروح وتزكيتها هناك طرق مختلفة ومتعددة منها الصلاة، وأشكال العبادات المختلفة، الإنسان بحاجة ماسة إلى من يذكره إذا نسي، وينبهه في حالة غفلته، لذلك كانت المواعظ والخطب. وهذا منتشر في مختلف الديانات، فالمسيحيون مثلا يذهبون إلى الكنيسة كل أحد لتزكية أرواحهم و سماع المواعظ من القس، والمسلم يذهب كل جمعة إلى المسجد لتزكية روحه والتقرب إلى خالقه، ولكن في كثير من الدول الإسلامية، فقد المسجد الدور المطلوب منه بكل صراحة، فيذهب أحدنا إلى المسجد، ويجد أن الخطيب في منبر الجمعة، تحول إلى ما يشبه المذيع الذي يقرأ علينا نشرة الأخبار، ففقد في تصوري دوره الحقيقي.
ينبغي في تصوري تصنيف المساجد والأئمة إلى درجات، فهناك من يلزم بالقراءة وآخرون يطلب منهم الالتزام بالخطوط العريضة، ولكن يرتجل الخطيب ما يقول لأن الأصل في الخطابة أنها بيان مرتجل يستخدم فيه الواعظ ما مكنه الله من بديع القول، وفي هذه الحال من المهم جداً التركيز على تزكية الروح، وإن كان لا بد من ربط بالمناسبات العامة، فذلك ربما يكون محله في الخطبة الثانية وبهذا تعود الروح إلى خطب الجمعة.