الصعود "الهيدروليكي" للصين
في حين تثير هضبة"التبت" عدداً من الأسئلة المثيرة للجدل، فإن جانباً واحداً من تلك الأسئلة سيكتسب أهمية سياسية متزايدة هو ذلك السؤال المتعلق بـ"الموارد المائية". فتلك الهضبة المعروفة للكثيرين باسم"القطب الثالث"، تمثل مستودعاً هائلًا للمياه العذبة يعتبر بالنسبة للبعض الأكبر من نوعه في العالم. فهي تعد ضمن المنابع العليا للعديد من أنهار آسيا الكبرى مثل"النهر الأصفر" والـ"يانجتسي" والـ" ميكونج، والـ"سالوين" والـ"براهمابوترا" والـ"إنداس" والـ"ساتليج". وهذه الكميات الهائلة من المياه معرضة لتحديات بيئية كالتغير المناخي، لكنها معرضة بالإضافة لذلك لطائفة من الموضوعات السياسية أيضاً.
هل ستكون الصين هي صاحبة المصلحة الوحيدة في مصير المياه في التبت؟ ما الذي سيحدث في دول المصب التي تعتمد اعتماداً كبيراً على تلك المياه؟ من المعروف أن الصين قد استغلت جميع أنهار الهضبة باستثناء اثنين إحداهما نهر"نوجانج" الذي يمر عبر مقاطعة "يونان" ويدخل"بورما" حيث يعرف باسم نهر الـ"سالوين". والخطط الصينية الخاصة بتحويلات نهر "يارلانج زانجبو"، المعروف في الهند باسم الـ"براهمابوترا" من الشمال وحتى الجنوب، وهو النهر الذي لم تستغله حتى الآن يتوقع أن يثير قلق الهند وهي من دول المصب.
وصعود الصين في السنوات الأخيرة تمثل في القدرات العسكرية، والتقدم الاقتصادي السريع، ويتمثل الآن في عمليات تحويل مجرى المياه. ومن المتوقع خلال الفترة الواقعة من الآن والعام 2030 أن تعاني الصين من عجز بنسبة 25 في المئة في توفير احتياجاتها المائية. فسلوكها الهيدروكربوني الطموح والمتزايد في آن مقصود به تأمين احتياجاتها الهائلة من المياه، وعلى وجه الخصوص في مناطقها الشمالية والغربية. ولا شك سيطرة بكين على هذه المصادر الثمينة للمياه يمنحها هامش استراتيجي هائل في التصرف مع جيرانها. وعندما تكون الهند من بين الدول المنافسة لها، فإن تلك الحرية في التصرف تتحول إلى أداة فعالة في المفاوضات وسلاح محتمل في ذات الوقت.
والنزعة القومية الصينية مبنية على طموحها لنيل وضعية القوة العظمى وعلى مزاعمها الإقليمية التاريخية ومنها على سبيل المثال ما يثار من أمور حول التبت وولاية "أروناتشال براديش"، الواقعة في شمال شرق الهند يعود بالأساس إلى الاحتياجات المائية. في عام 1952 قال الزعيم الصيني التاريخي "ماوتسي تونج" في كلمة له: الجنوب لديه الكثير من المياه في حين لا يمتلك الشمال سوى القليل منها... ولا بأس في حالة مثل هذا أن يقرض الشمال الجنوب بعض المياه".
تتطلع الصين في الوقت الراهن لاستغلال موارد المياه في هضبة التبت، كما تعمل على تبني موقف أكثر قوة في ولاية أروناتشال، الواقعة في شمال شرق الهند.
ومن المتوقع أن تحافظ الصين المتمرسة في سياسة حافة الهاوية على صمتها بشأن خططها الرامية لتحويل مجرى المياه، لكي تجعل دول المصب حائرة بشأن نواياها ولا تدري ما الذي تخطط له. ونظرا لعدم وجود معاهدة دولية ملزمة قانونية بشأن تقاسم هذه المياه، فإن ذلك يعني عملياً أنه ليس هناك ما يمنع الصين من استغلال تدفقات النهر وزيادة درجة اعتماد دول المصب.
والهند على وجه الخصوص متاح أمامها فرصة دبلوماسية في هذا السياق، وإذا ما وضعنا موقعها كدولة مصب في الاعتبار، فإن ذلك يعني أنها يجب أن تأخذ زمام المبادرة في هذا الشأن ومن المزايا التي تصب في مصلحة الهند في هذا المجال أنها تتمتع بخبرة عريضة فيما يتعلق بالمعاهدات المائية. ولكن ما لا شك فيه أن وضع هضبة التبت سوف يؤثر على أي مقترحات بشأن الكيفية التي يمكنها بها إدارة شؤون مواردها المائية بطريقة قابلة للاستدامة وضمان أن استمرار التدفق الطبيعي للمياه لن يتأثر بخطط تحويل مجرى المياه الصينية.
والمحاولات الصينية الرامية للاستفادة من مياه التبت تحتاج إلى تحرك من دول المصب تشمل ضمن ما تشمل توقيع اتفاقية على استخدامات المنافع المتعددة لتلك المصادر. ودول المصب بحاجة إلى العمل من خلال الأعراف المنظمة للاستخدام العادل للمياه، وعلى سياسة" عدم الإضرار ".
وهذا الضغط والاهتمام الدولي بتعريف مثل هذه المصادر الحيوية باعتبارها مصادر مشتركة سوف تساهم مساهمة كبيرة في المحافظة على مياه التبت وتنظيم عملية الاستفادة منها.
ودول المصب المعنية بحاجة أيضاً إلى إثارة الموضوع على المستوى الدولي مع القيام في ذات الوقت بدعم ومساندة سكان التبت المحليين وجهود جماعات الضغط من أجل تسليط الضوء على الدمار البيئي، الذي يجلبه على الهضبة عمليات إنشاء السدود وتحويل مجاري الأنهار والفروع.
وهناك حاجة إلى جانب ذلك إلى إحياء نقاش واسع النطاق حول إدارة موارد المياه في أحواض الأنهار الكبرى خصوصاً أن الأمر، الذي يزداد وضوحا على الدوام لا يتعلق بالمحافظة على تلك المياه وإنما يتعلق أيضاً بالوظائف البيئية لها.
------
أوتام كومار سنها
باحث بمعهد الدراسات والتحليلات الدفاعية في نيودلهي
------
ينشر بترتيب خاص مع خدمة "واشنطن بوست"