فاعلية خطط "التنويع"
عندما يشيد "البنك الدولي" بسياسات التنويع الاقتصادي لدولة الإمارات، ويضعها في موقع القيادة لمسيرة دول "مجلس التعاون" نحو التنويع الاقتصادي بعيداً عن القطاع النفطي، فإن هذا لا يعني سوى أن هناك ثقة وإقراراً عالميّاً واسعاً بأن الدولة قد نجحت على مدار السنوات بل والعقود الماضية في تحقيق نسبة عالية من التنويع الاقتصادي، وأن الهيكل الحالي للاقتصاد الإماراتي بات من وجهة نظر المؤسسات الدولية منوّعاً بما يكفي للوفاء بالشروط اللازمة لاستدامة التنمية، وأن الدولة تمكّنت من تأسيس أرضية صلبة يقف عليها الاقتصاد الوطني عبر تنويع المرتكزات الرئيسية التي يعتمد عليها والمتمثّلة في القطاعات الاقتصادية غير النفطية، التي تأتي على رأسها السياحة والتجارة والخدمات بمختلف أنواعها بالإضافة إلى قطاع الطاقة المتجدّدة، الذي تمكّن بفضل تميّزها فيه من نيل الثقة العالمية بقدراتها، وحصولها على حق استضافة المقر الرسمي لـ"الوكالة الدولية للطاقة المتجدّدة- إيرينا".
وقد استطاعت دولة الإمارات بفضل سياساتها الاقتصادية المتوازنة أن تتخلّص ليس من اعتماد اقتصادها شبه الكلّي على القطاع النفطي فقط، بل استطاعت أن تحقّق نوعاً من التوازن التنموي على المستويين المكاني والجغرافي بين أقاليمها ومناطقها المختلفة أيضاً، باتّباعها سياسة تنموية متوازنة جغرافيّاً لا تهتمّ بتنمية مناطق معيّنة وتترك أخرى من دون تنمية، بل تراعي الدولة توزيع مشروعاتها التنموية واستثماراتها على مختلف المناطق دون تمييز، بما يكفل التوزيع المتوازن لثمرات التنمية وتوصيل المرافق والخدمات إلى مختلف المناطق، كما تحرص على إيجاد وسائل الترابط والاتصال المناسبة والكافية سواءً لانتقال الأفراد أو البضائع أو رؤوس الأموال بين مناطقها المختلفة، من خلال التطوير المستمر لشبكات الطرق ووسائل المواصلات وكذلك وسائل الاتصال اللازمة.
وبالإضافة إلى هذا وذاك فإن السياسة الاقتصادية المتوازنة لدولة الإمارات قد تمكّنت من تحقيق حدّ مناسب من التوازن بين مختلف فئات السكان، وضمنت لكل منهم وسائل المعيشة المناسبة، وكفلت لكل فرد حق الحصول على الخدمات والمرافق العامة كل بالطريقة التي تناسبه دون تمييز، وتضاف إلى ذلك السياسة المنفتحة للدولة على مختلف الثقافات حول العالم وتعاملها المتوازن على المستوى الداخلي مع السكان جميعهم بمختلف ثقافاتهم وانتماءاتهم، بما يمكّن مختلف فئات المجتمع من العيش في سلام وأمن اجتماعي تامين، ليتقبّل كل منهم الآخر ويتعايش معه في انسجام قلّ وجوده في مناطق ودول كثيرة في العالم.
ومن دمج التنويع الاقتصادي سواءً القطاعي أو الجغرافي الذي يضمن بدوره استدامة التنمية الاقتصادية مع التوازن والأمن والسلام الاجتماعي، الذي يضمن بدوره استدامة التنمية الاجتماعية اللذين تمكّنت دولة الإمارات من توفيرهما يتم الحصول على المزيج الذي يمثّل الشرط الضروري لتحقيق التنمية المستدامة، التي تمثل الغاية النهائية لجميع السياسات والآليات والخطط والاستراتيجيات الاقتصادية للدول حول العالم، ويبقى الشرط الكافي لتحقيق التنمية المستدامة والمتمثّل في ضمان استمرارية امتلاك الدولة مكوّنات هذا المزيج، وبالطبع يمثّل التزام دولة الإمارات طوال العقود الماضية سياسات التنويع الاقتصادي وضمان الأمن الاجتماعي مؤشراً ذا دلالة كبيرة على حرصها على المضي قدماً والاستمرار في هذا الاتجاه، الذي لم يتوقف في الماضي وبالطبع لن يتوقف في المستقبل، وهو ما يعد استيفاءً منها لهذا الشرط أيضاً.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
عن نشرة "أخبار الساعة"الصادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية.