من بين السمات الرئيسية التي تفرق بين أوباما وسابقه في المنصب، تفضيله لمبدأ تعددية الأطراف. فبوش قام على نحو "إحادي" باتخاذ بعض القرارات الرئيسية في مجال السياسة الخارجية بما في ذلك قرار غزو العراق عام 2003، على الرغم من معارضة العديد من القادة الأجانب، لأنه كان يعتقد أنه على صواب، عندما يفعل ذلك، وبالتالي فإنه ليس بحاجة إلى الحصول على موافقة من أي أحد، سوى الأمم المتحدة، التي سعى إلى الحصول على دعم منها لغزو العراق، لأن وزير خارجيته في ذلك الوقت"كولين باول" حثه على ذلك. وعندما لم تقدم الأمم المتحدة التصديق الذي كان يريده بوش على قراره بغزو العراق، قرر المضي قدماً في طريقه على الرغم من ذلك. أوباما له نهج مختلف، حيث يؤكد على أهمية الدبلوماسية الثنائية والمتعددة الأطراف كخيار أول له. فهو يسعى إلى التشاور مع الأصدقاء والحلفاء، وعلى التعاطي مع الخصوم في الوقت نفسه، وهو تغير رحب به الأميركيون، وغيرهم. ولكن صياغة إجماع عملية شاقة، كما اكتشف أوباما بنفسه، وسياسة الولايات المتحدة تجاه إيران تقدم مثالاً جيداً على ذلك. فعندما كان أوباما يخوض حملته الرئاسية، أعلن أنه قلق بشأن السلوك الإيراني، وخصوصا فيما يتعلق بالموضوع النووي، ولكنه سيسعى على الرغم من ذلك، للتعاطي مع القيادة الإيرانية لمحاولة حل المشكلات العالقة. منذ أن تولى منصبه وحتى الآن، لم يتمكن أوباما من الوفاء بوعده بالتعاطي مع النظام الإيراني، وهو ما يرجع جزئياً للاضطرابات الداخلية في إيران، التي حدثت عقب إعلان نتائج الانتخابات الرئاسية عام 2009، والتي جعلت طهران أقل مرونة في التعامل عن ذي قبل. في الوقت ذاته، نجد أن المراقبين خارج إيران، والذين يضمون ليس فقط الخبراء الأميركيين والأجانب، وإنما أيضاً الاختصاصيين في الهيئة الدولية للطاقة الذرية، يعتقدون أن النظام الإيراني، لا يزال يواصل التحرك باتجاه تطوير قدراته لتصنيع أسلحة نووية بالمخالفة لقوانين الهيئة، بل وعلى النقيض من التطمينات التي قدمها في هذا الشأن. وكرد فعل على ذلك، لجأ أوباما إلى التهديد بفرض عقوبات على إيران، في محاولة منه لإقناع قادتها بالتعاون بشأن المسائل النووية. بعض المراقبين للشأن الإيراني يؤمنون بأن العقوبات لن تجدي نفعاً، لأن القيادة الإيرانية لن تتأثر بها، ولأن الذي سيتحمل وطأة العقوبات، والمصاعب التي ستنتج عنها، هم الإيرانيون. والحجة التي يقدمها هؤلاء المراقبون للتدليل على صواب رأيهم هذا، هو أن مجلس الأمن الدولي التابع للأمم المتحدة، قد صوت منذ عام 2006 ثلاث مرات، على فرض عقوبات على إيران بسبب برنامجها النووي، ومع ذلك لم تؤد هذه القرارات إلى ردع إيران. رغما عن ذلك، يفضل أوباما تجريب العقوبات ليتجنب الخيار الآخر - استخدام القوة -الذي اقترحه البعض، والذي يعتقد أنه ينطوي على مخاطر أكبر مما هو موجود حالياً. غير أن أوباما يعلن، أن العقوبات سوف تفشل حتماً في تحقيق المراد منها، ما لم تُطبق بشكل تعددي من قبل كافة الدول التي تتعامل مع إيران تجارياً، لأن التنفيذ الجزئي - ببساطة - سوف يسمح لإيران بالالتفاف على تلك العقوبات. وأهم الدول المرشحة للمشاركة في نظام العقوبات هي روسيا، والصين، والدول الأوروبية، وإن كان الصينيون والروس قد تمنعوا حتى الآن عن الانضمام للنظام المذكور، بسبب تجارتهم الضخمة مع إيران. لشهور، تفاوضت إدارة أوباما مع تلك الدول في محاولة لوضع حزمة جديدة من العقوبات التي يوافقون عليها. وفي نهاية المطاف، وفي التاسع من شهر يونيو الحالي، وافق مجلس الأمن بما فيه روسيا والصين على جولة جديدة من العقوبات. وكان بإمكان كلا الدولتين ممارسة حق الفيتو(الاعتراض) على القرار بحكم عضويتهما الدائمة في مجلس الأمن، ولكن حتى لو كانا قد اكتفيا بالامتناع عن التصويت فإن ذلك سيصبح إجراء غير موفق لأنه لن يصبح في مقدورهما في هذه الحالة تنفيذ بنوده بشكل كامل. وقد رحبت الولايات المتحدة بنتيجة التصويت على القرار، وأعلن أوباما أنه "يمثل أشد عقوبات من نوعها يواجهها النظام الإيراني"، وقال أوباما أيضاً، إنه يأسف لأن إيران قد رفضت الجهود التي بذلها للتفاوض معها بشكل فعال. غير أن ما حدث في المفاوضات التي سبقت التصويت على القرار، هو أن الأميركيين اضطروا إلى الموافقة على استبعاد أي ذكر لصادرات النفط، من أجل تأمين موافقة الصين وروسيا، لأن الدولتين لا يريدان أن يؤدي إيراد شيء كهذا إلى التأثير على وارداتهما من النفط الإيراني. لذلك، لم تخرج العقوبات بتلك الدرجة من الشدة التي كان يجب أن تكون عليها، لأن المفاوضين اضطروا للدخول في مساومات وإجراء تسويات مع اللاعبين الرئيسيين. في الوقت نفسه، كانت هناك حالات هروب -من الإجماع - في مكان آخر. فقبل التصويت بوقت قصير، أبرمت تركيا والبرازيل صفقة، لتزويد إيران بالوقود النووي اللازم لمفاعل الأبحاث النووية في طهران في مقابل يورانيوم إيراني مخصب.. ولكن واشنطن قللت من شأنها ووصفتها بأنها "غير فعالة". ولكن بعض الأميركيين رأوا، مع ذلك، أن بلدهم كان يجب أن يرحب بها باعتبارها خطوة للأمام. وتركيا والبرازيل اللتان اعتقدا أن هذه الصفقة تمثل مقاربة أفضل من العقوبات، عارضا قرار مجلس الأمن الخاص بفرض عقوبات جديدة أشد على إيران. ففي هذا الصدد، قال الرئيس البرازيلي إن قرار المجلس بفرض عقوبات على إيران كان" خطأ"، أدى إلى إضاعة فرصة تاريخية للتفاوض سلميا حول برنامج طهران النووي. لبنان، وهي دولة ثالثة عضو في الدورة الحالية لمجلس الأمن أعربت من جانبها عن عدم موافقتها على العقوبات الجديدة من خلال الامتناع عن التصويت عليها. وقال السفير اللبناني لدى الأمم المتحدة "نواف سلام" في هذا الشأن إن العقوبات سوف تعني أن "الدبلوماسية" قد فشلت. وقال "سلام" أيضاً إن الصفقة التركية - البرازيلية وفرت"مدخلًا" للبدء في إجراءات بناء الثقة. لذلك، فشلت إدارة أوباما في الحصول على إجماع في مجلس الأمن الدولي على قرار العقوبات، واضطرت إلى الاكتفاء بتصويت بالموافقة من قبل 12 مقابل رفض دولتين وامتناع دولة عن التصويت. وأشار النقاد إلى أن الإجراءات الموافق عليها بهذا الشكل، قد أُضعفت أكثر بالتسويات التي تمت مع روسيا والصين. من جانبه قال الرئيس الإيراني إن قرار العقوبات"ورقة لا قيمة لها" شأنها شأن "منديل ورقي مُستهلَك"، معلناً عن استمراره في التحدي... يعني ذلك كله أنه سيتعين علينا الانتظار لبعض الوقت حتى نرى هل سيكون لهذه العقوبات أي تأثير على السلوك الإيراني أم لا. إيما كان الأمر، فإن ذلك التصويت قدم مثالا آخر على مدى الصعوبة التي تكتنف محاولة تكوين جبهة موحدة من عدة دول مختلفة، حتى عند التعامل مع مشكلة يتفق الجميع على أنها خطيرة. ولا شك أن أوباما، سيتعلم من خلال هذا المثال، أن تحقيق التعددية ليس بالأمر الهين. ويليام رو دبلوماسي أميركي سابق متخصص في الشؤون العربية