وجهة النظر التي طرحها رئيس الوزراء الإسباني السابق، أزنار، في مقال له بجريدة "التايمز" يوم الخميس الماضي بعنوان "ادعموا إسرائيل لأنها إذا انهارت انهار الغرب"، والتي اعتبر فيها أن إسرائيل هي خط الدفاع الأول عن الغرب في منطقة مضطربة وحيوية لأمن الطاقة... يعتبر كلاماً فيه كثير من العدوانية رغم أنه ليس كلاماً غريباً على رجل حمل لواء احتلال العراق مع الرئيس الأميركي السابق بوش. ولعل الجميع يتذكرون ما قاله أزنار منذ سنوات بعد تصريحات البابا بنديكت السادس عشر المسيئة إلى الإسلام، والتي أثارت موجة من الغضب، فقد شنّ أزنار هجوماً غير مبرر ضد العرب والمسلمين، وقال: "إن العديد من الأشخاص في العالم طلبوا من البابا الاعتذار عن محاضرته، وأنا لم أسمع يوماً أن مسلماً قدم اعتذاره عن غزو إسبانيا واحتلالها على مدى ثمانية قرون"... لكن أزنار لم يقل عن ماذا يريد أن يعتذر العرب بالضبط؟ إن توقيت هذه المقالة التي تأتي بعد الجريمة الإسرائيلية ضد "قافلة الحرية" يعتبر مستفزاً، ليس للعرب فقط، وإنما لكل محبي السلام والساعين إليه. وبهذا الكلام، فإن أزنار يتجاهل أن أهم أسباب عدم استقرار المنطقة هو وجود إسرائيل التي ترفض أن تكون جزءاً من المنطقة وترفض كل مبادرات السلام التي عرضها العرب وتستمر في استفزازهم دون توقف. إن استمرار بعض الساسة الغربيين في ربط مصير إسرائيل بمصير الغرب بأسره لا يخدم هذا الأخير، ومن ذلك ما ذهب إليه أزنار في مقاله المذكور عندما قال: "إن سقطت إسرائيل فسنسقط معها، وتركها تواجه مصيرها وحدها في هذه الظروف دليل على تراجع الغرب وضعفه". إنه تضخيم كبير للعلاقة بين إسرائيل والغرب وتهويل لـ"الخطر العربي" على الغرب، في حين أن ثمة في العلاقة العربية الغربية الكثير من النقاط المضيئة قبل أن تظهر إسرائيل إلى الوجود. على من يؤمن بما يطرحه أزنار أن يعرف أن هناك أمرين أثّرا على علاقة العرب بالغرب؛ أولهما إسرائيل التي زُرعت في قلب المنطقة العربية، وثانيهما المتطرفون من كلا الطرفين، سواء العرب أو الغربيون، والذين صارت الحرب بينهم معلنة في السنوات الأخيرة. وهذه الحرب ليست حرب الغرب مع العرب وإنما حرب المتطرفين هنا وهناك. فالعرب العاديون والغربيون العاديون أيضاً ليست بينهم مشكلة حقيقية وإن كانت قد طرأت مشكلة ما فإن بإمكانهم حلها والانتهاء منها بالطرق التي ترضي الطرفين. وبالرجوع قليلاً إلى التاريخ سنكتشف أن العلاقة بين العرب والغرب مرت بمراحل عدة، سواء في التفاعل الحضاري أو الصراع المسلح، وللأسف فإن التأثر بالصراع كان ولا يزال أقوى من التأثر بالتفاعل الحضاري. لقد تبادل العرب والغرب السيطرة والنفوذ كل طرف منهما في مناطق الآخر، لكن هناك فرق واسع وشاسع بين السيطرتين، فمن يعرف التاريخ ويقرأه يدرك أنه في إطار توسع وانتشار الحضارة العربية في الغرب عمل العرب على نشر العلوم والمعارف والتعايش السلمي والتسامح بين القوميات المختلفة في البلدان التي كانوا فيها، حتى أن كثيراً من المؤرخين الأوروبيين اعترفوا بأن "التاريخ لم يعرف فاتحاً أرحم من العرب"، وقالوا عن أثر الحضارة العربية في الغرب إن "شمس العرب تستطع على الغرب". فلماذا يحاول أزنار أن يحجب هذه الشمس بغربال إسرائيل؟! حتى خلال فترة الوجود العربي في أوروبا، لم تكن هناك سيطرة قمعية من العرب على البلاد المفتوحة، وبالتالي فالرعب الذي يعبر عنه أزنار إزاء العرب ويحاول نقله إلى الغرب لإقناعه بدعم إسرائيل، لا أساس له على أرض الواقع. كما أن الشواهد الحضارية التي خلفها العرب في الغرب كثيرة، في ميادينِ الفلسفة والفكر والأدب، والعلوم، والعمارةِ... وكذلك في العمل على نقل علوم وفلسفات اليونان إلى أوروبا عبر الفلاسفة والعلماء العرب المسلمين كابن رشد، وابن سينا، والفارابي، وابن خلدون وآخرين.. إلخ. وتاريخ العرب في البلاد التي دخلوها يؤكد أنهم كانوا فاتحين وليسوا غزاة أو محتلين، فقد كان هدفهم نشر قيم العدل والتسامح ونصرة الضعفاء مع عدم التعرض بالأذى لأتباع الديانات السائدة في تلك البلدان. وتقابل هذه السيطرة العربية على أجزاء من الغرب سيطرة غربية على أجزاء من بلاد الشرق خلال فترة الاستعمار الأوروبي، حيث قُتل ملايين العرب وظهرت ممارسة والاضطهاد، بالإضافة إلى النيل من ثقافة شعوب المنطقة. وهذه صور واقعية تذكر كتب التاريخ كثيراً من تفاصيلها البشعة. فلماذا يصر أزنار على الإساءة لهذه المنطقة باعتبارها "خطراً" على الغرب، بينما الغرب هو الذي زرع الخطر في المنطقة؟! المتطرفون من كلا الجانبين يرون أن الشرق والغرب عدوان تاريخيان لا يمكن أن يتفقا أو يتعايشا مع بعضهما البعض؛ فالعربي المتطرف يصر على الطبيعة العدوانية للغرب مستذكراً الحروب والغزوات والحملات الغربية المتكررة ضد الشرق منذ الإمبراطورية اليونانية والرومانية ثم حملات الفرنجة في القرون الوسطي وصولاً إلى الاستعمار الغربي للبلاد العربية في العصر الحديث وتبني المشروع الصهيوني ودعمه. ولدى الغرب متطرفون أيضاً، فهناك تيار معادٍ للعرب، لا يرى فيهم إلا عدواً يهدد مصالحه، ويسعى إلى تقويضِ مدنيته. ومن وجهة نظر الغرب، فإن الضربات الوقائية أفضل طريقة لمواجهة هذه "التطرف العربي"! فالحرب على الإرهاب في أفغانستان والحرب على العراق ودعم العدوان الإسرائيلي، وكذلك الحرب المحتملة على إيران... كلها ضرورية لحماية الغرب! لكن علينا جميعاً، ونحن نعيش في القرن الحادي والعشرين، أن لا نركز على نقاط الخلاف وعلى مواقف المتطرفين في كلا الجانبين، فمن بين العرب من يعترف بما وصل إليه الغرب من تقدم في مختلف المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والتقنية والعلمية والثقافية، وكثير من العرب يدعون إلى الاستفادة من تجربة الغرب المتطورة؛ فدوله اليوم تعتبر نموذجاً متقدماً في الحرية والديمقراطية، والدولة المدنية الحديثة، وحقوق الإنسان. وهؤلاء هم الأكثرية في العالم العربي، وهم أنفسهم الذين يرون أن وجود إسرائيل سبب في الجفاء بين الشرق العربي والغرب الأوروبي الأميركي. الغرب يتحمل جزءاً من مسؤولية التخلف والتأخر التي يعيشها الشرق العربي، بسبب احتلاله وهيمنته العسكرية والاقتصادية والسياسية على معظم دوله، ومنع أسباب نهوضه وتقدمه العلمي والتقني، وهو ما يعد سبباً كافياً لحالة الخوف لدى البعض في الشرق عامة إزاء الغرب.