عندما تسلق الرئيس السابق جورج بوش تلة من حطام برجي مركز التجارة العالمي اللذين استهدفتهما هجمات 11 سبتمبر، ونفخ في البوق العسكري ووضع يده حول أحد رجال الإطفاء، معلناً بكل ذلك قيادته لأمته، كانت تلك لحظة تتويج جديد لرئاسته دون شك. وعندما تلقى استشارة خاطئة جعلته يحلق بطائرته بعيداً عن ضحايا إعصار كاترينا ليصل إلى منتجعه الخاص في عام 2005، وكأن سكان مدينة نيو أورليانز لم يصبهم أي أذى جراء ذلك الإعصار، فقد كانت تلك اللحظة بداية لاضمحلال شعبيته ورئاسته على حد سواء، في نظر الكثير من المؤرخين. وفي وسع كارثة بقعة النفط الحالية في خليج المكسيك أن تكون نقطة فارقة في رئاسة أوباما بالقدر نفسه. فعلى رغم المؤتمر الصحفي الذي عقده، والتصريحات التي حاول من خلالها تأكيد مسؤوليته عما يحدث، وعلى رغم زياراته المتكررة إلى موقع الكارثة وحرصه على مخاطبة المسؤولين بدلاً من الصيادين التجاريين في المنطقة، فقد بدت كل تلك الجهود علاجية أكثر من كونها ملهمة لأمته. والسؤال الآن: هل يقيس الأميركيون كفاءة أوباما القيادية بمدى قدرته على التصدي لكارثة البقعة النفطية؟ في الإجابة عن السؤال، يجب القول إن أكثر "الديمقراطيين" تفاؤلاً، من أمثال الزعيم البارز جيمس كارفيل والمستشار الرئاسي السابق ديفيد جيرجن صدرت عنهما من التعليقات ما ينم عن نقص الحزم اللازم من جانب الرئيس في إدارة هذه الكارثة. فقد طالب السيد كارفيل الرئيس بطرد المسؤولين وتوجيه اتهامات جنائية مدنية لشركة "بريتش بيتروليوم" يذكر أن تحقيقاً جنائياً قد فتح سلفاً في هذا الشأن. أما جيرجن فشكا قائلاً إنه وفيما لو كانت الولايات المتحدة قد تصدت للحرب العالمية الثانية بنهج تصديها الحالي لكارثة البقعة النفطية في خليج المكسيك، لتحدث الأميركيون جميعاً اللغة الألمانية الآن. وقد مر أوباما بلحظة محرجة للغاية أثناء مؤتمره الصحفي، عندما لم يبد واثقاً مما إذا كانت إليزابيث بيرنباوم – المسؤول الأول عن الرقابة على الطاقة النفطية الأميركية- قد استقالت من منصبها أم فصلت منه؟ ولن يجدي أوباما كثيراً تزامن حدوث كارثة بقعة نفط خليج المكسيك هذه مع عاصفة من المشاكل السياسية التي يواجهها داخلياً وخارجياً. ففي الساحة الداخلية، فقد كشف النقاب عن تعاون كبير موظفي البيت الأبيض "رام إمانويل" مع الرئيس الأسبق بيل كلينتون في عقد صفقة أفضلية خاسرة لعضو الكونجرس جو سيستاك حتى يضمن بموجبها انسحابه من السباق التمهيدي لمقعد ولاية بنسلفانيا في مجلس الشيوخ. والهدف وراء هذا التعاون هو فتح الطريق أمام فوز عضو مجلس الشيوخ الحالي أرلين سبيكتر. هذا وقد اعترف حتى أعضاء الحرس القديم بالحزب "الديمقراطي"، بل حتى بعض الصحفيين المعروفين بانحيازهم للحزب، بأن مثل هذه الرشاوى تعد جزءاً من الثقافة السائدة في ممارسات واشنطن السياسية. والحقيقة أن هذه المشكلة تنسب إلى أوباما قبل نسبتها إلى كبير موظفيه في البيت الأبيض، "رام إمانويل". ذلك أن أوباما هو من امتطى صهوة الجواد الأبيض وتولى مقاليد الحكم هناك على وعد التغيير، بما فيه تغيير أساليب عمل واشنطن. وفيما لو مرت هذه الحادثة دون عقاب من جانبه، فإن في ذلك خيانة صريحة لوعده الانتخابي. وفيما لو خطا إيمانويل خطوته هذه دون علم الرئيس، فعندها يكون كبير موظفيه قد خسر ثقة رئيسه به، ما يعني احتمال خسارته لوظيفته نفسها. وعلى أية حال، فقد ابتليت إدارة أوباما بحزمة من المشاكل والعقبات الداخلية التي نلخصها كما يلي: ارتفاع في معدلات البطالة تقدر نسبته بنحو 10 في المئة، تزايد ارتباط سمعة إدارة أوباما الحالية بكونها تبشر الأجيال القادمة بما لا طاقة لهم به من الديون المتراكمة، فشله عن تحقيق التوافق الثنائي الحزبي مع الجمهوريين، وهو بين أهم ما وعد به أثناء سباقه الانتخابي الرئاسي، على رغم أن هذا الفشل لا يتحمله أوباما وحده بالطبع. وأخيراً هناك ذلك الخلاف المدمر بينه وحاكم ولاية أريزونا بسبب قوانين الهجرة التي سنتها الولاية نتيجة لعجز الكونجرس المستمر عن إصدار تشريع متعلق بإصلاح قوانين الهجرة الأميركية. ولا يبدو أن الكونجرس سوف يخطو نحو إصدار تشريع كهذا في أي وقت من المستقبل القريب المنظور. ولا يبدي الكونجرس أي حماس للتصدي لأي تحديات كبيرة تلوح في الأفق، مثل إفلاس نظام الضمان الاجتماعي. وكان بوش قد تصدى بشجاعة لمثل هذه التحديات وإن ارتدّت وبالاً عليه في نهاية الأمر بسبب نكوص الكونجرس وتمنّعه عن دعم تلك الجهود الرئاسية. أما خارجياً، فقد تزايدت احتمالات حصول طهران على التكنولوجيا اللازمة لتطوير أسلحتها النووية، في الوقت ذاته الذي تزايدت فيه احتمالات رفض بيونج يانج لأي جهود تهدف إلى تجريدها من سلاحها النووي. وليس هذا التمنع مما يخدم عملية استقرار شبه الجزيرة الكورية. أما جارتها الصين، فتمضي هي الأخرى في استعراض عضلاتها السياسية والاقتصادية والمالية والحربية البحرية بصفة خاصة، بينما تتعامل معاملة الند للند مع إدارة أوباما، كلما طلبت منها هذه الأخيرة التعاون معها. وفي منطقة الشرق الأوسط، فقد تحول رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إلى شوكة في خاصرة واشنطن، بينما تسود حالة من الضبابية آفاق حل النزاع الإسرائيلي الفلسطيني. وفيما لو أراد الوفاء بوعد التغيير الذي قطعه في حملة سباقه الرئاسي، فإن عليه إجراء انسحاب رئاسي تكتيكي من ذلك النوع الذي أجراه سلفه جيمي كارتر من قبل. فلا بد للسياسات الفاشلة من أن تراجع، ولا بد لوعد التغيير من أن يترجم إلى حقيقة وواقع. جون هيوز مساعد وزير الخارجية في إدارة ريجان ينشر بترتيب خاص مع خدمة "كريستيان ساينس مونيتور"