كنوز العالم: جرائم المقتنيات والآثار
في هذا الكتاب، "ما لا يقدر بثمن: كيف تخفيتُ لإنقاذ كنوز العالم الفنية"، يكشف مؤلفه روبرت كي ويتمان النقاب لأول مرة عن العمل السري الذي قام به -بصفته مؤسساً لفريق مكافحة جرائم الآثار والمقتنيات الفنية بمكتب التحقيقات الفيدرالي- في مجال مكافحة هذا النوع من الجرائم، والذي يدر للصوص أرباحاً هائلة تقدر بمليارات الدولارات، بينما تخسر ثقافات العالم وحضاراتها بعض أثمن وأندر مقتنياتها بسبب هذه الجرائم. وربما ارتبط اهتمام المؤلف بمكافحة هذا النوع من الجرائم بنشأته في كنف عائلة عرفت باهتمامها وتجارتها في مجال الأيقونات والتحف الفنية. فتلك كانت الحرفة الوحيدة التي كان يعتمد عليها والده في إعالة أسرته. أما الابن فاتخذ منحى آخر لا يبعد كثيراً عن هذه الخلفية، ولكي يؤدي مهمته تعين عليه التخفي وإدارة عملياته مجرداً من السلاح، ما سهل عليه اقتناص اللصوص ومزوري التحف والمقتنيات الفنية.
يحكي المؤلف عن أهم التحف والآثار الفنية التي نجح في إنقاذها: الدرع الذهبية التي كان يرتديها الملك البيروفي المحارب، وتمثال رودن الذي ألهم فناني الحركة الانطباعية.
وجاب ويتمان العالم كله لإنقاذ أندر لوحات الفنانين: رمبرانت وبيسارو ومونيه وبيكاسو. وكثيراً ما عمل بالتعاون مع حكومات الدول التي تلاحق لصوص الآثار. وتقدر قيمة المقتنيات التي أنقذها ويتمان بمئات الملايين من الدولارات. غير أن تلك التقديرات لا تعني الكثير بالنسبة لويتمان كونها تشير إلى القيمة المالية للأعمال والتحف الفنية المسروقة، بينما تقف تلك الصورة الشخصية التي رسمها الفنان رمبرانت لنفسه، أو ذلك العلم الأميركي النادر الذي رفعه أحد الجنود الأميركيين الأفارقة إبان الحرب الأهلية، باعتبار أي منهما تراثاً تاريخياً جمالياً لا يقدر بثمن.
أما لصوص المقتنيات ومزوروها الذين يتم القبض عليهم، فعادة ما ينحدرون من ذرى الغنى إلى الفقر المدقع، ومن أذكياء إلى أغبياء، ومن مجرمين منظمين إلى متوحدين يبعثون على الشفقة والحزن. وقد تتعدد مهن هؤلاء وتخصصاتهم ومواقعهم الاجتماعية. فقد تبين أن ذلك اللص المهرب الذي حمل إلى المحقق ويتمان إحدى الأيقونات الثمينة التي تعود إلى القرن السادس الميلادي، كان دبلوماسياً رفيع المستوى. أما الذي استطاع سرقة العديد من المقتنيات النادرة التي تعود لأحفاد الأبطال المحاربين، فقد اتضح أثناء التحقيقات أنه ينتمي إلى عائلة أرستقراطية وأنه ليس بحاجة إلى هذا النشاط المشين الذي يقوم به. لكن هناك من بينهم ذلك الذي يعمل حارساً في أحد المتاحف الأميركية، وقد استطاع الهرب ببعض قصاصات شعر القائد المؤسس جورج واشنطن، على أمل أن تدر عليه قليلاً من الدولارات التي كان بأمس الحاجة إليها، لكنه لم يكن يدرك أن تلك القصاصات سوف تدفع به إلى ما وراء القضبان لعدد لم يتصوره من سنوات السجن والحرمان.
ويعتبر التخصص في مكافحة جرائم المقتنيات والآثار الفنية نادراً ولا يخلو من صعوبات وتحديات كبيرة. فالمعلوم أن عشرات المحققين التابعين لشرطة سكوتلنديارد يبذلون جهوداً مضنية في مكافحة هذه الجريمة الدولية التي تدر لمرتكبيها مليارات الدولارات. أما الشرطة الوطنية الفرنسية فيعمل بها 30 محققا مختصاً في المجال نفسه، بينما تكرس إيطاليا عدداً أكبر للغرض ذاته.
ومنذ تقاعد ويتمان، لم يعين مكتب التحقيقات الفيدرالي أحداً غيره. ورغم الغزل والرومانسيات الواضحة التي تبديها أفلام هوليوود مع لصوص المقتنيات الفنية، فقد نجح ويتمان في القيام بمهمته وحيداً. فقد بدأ مهنته في فلادلفيا عام 1988. وبعد وقت قصير من توليه منصبه، نفذ اللصوص ضربتهم في اثنين من أكبر المتاحف الأميركية. وبفضل الجهود التي بذلها، وتعاون الأصدقاء من حوله، تمكن ويتمان من التقاط خيوط المعلومات التي مكنته من استعادة أثمن ما سرق من الأيقونات الشرقية، إضافة إلى تمثال رودن النادر. ومن فرط شغفه وحماسه لمهنته، انتظم ويتمان في حضور فصول دراسية متخصصة في الفنون. حينها لم تكن سرقة الأعمال الفنية جريمة فيدرالية بنص القانون. غير أن ذلك التشريع تغير إثر سرقة مجموعة من اللصوص لآثار فنية تقدر قيمتها بـ500 مليون دولار من متحف إيزابيلا جاردنر في بوسطن، عام 1990. وقد ارتفعت أهمية الدور الذي يقوم به ويتمان منذ ذلك التاريخ، واستمر إلى تقاعده قبل بضع سنوات.
عبد الجبار عبد الله
--------
الكتاب: ما لا يقدر بثمن: كيف تخفيتُ لإنقاذ كنوز العالم الفنية
تأليف: روبرت كي ويتمان
الناشر: مجموعة كراون آند ببليشنج
تاريخ النشر: 2010