يعتبر الفشل الكلوي من أخطر الأمراض التي يمكن أن يتعرض لها الإنسان، بسبب آثاره السلبية الشديدة على الحالة الصحية العامة، بالإضافة إلى تهديده اليومي والمستمر للحياة من الأساس. وتأتي خطورة الفشل الكلوي من حقيقة أن الدم الذي يجري في عروقنا جميعاً كي يتمكن من أن يؤدي وظائفه الأساسية، مثل حمل الغذاء والأوكسجين إلى خلايا الجسم وتخليصها من ثاني أوكسيد الكربون وبقية نواتج العمليات الحيوية، لابد لنا من الحفاظ على توازن تركيبه الكيميائي طوال الوقت. هذا التوازن الدائم والضروري لبقائنا على قيد الحياة، تلعب الكليتان دوراً أساسياً في تحقيقه من خلال تنقية "فلترة" الدم لإزالة السموم وبقية المواد الضارة، والتي يتم التخلص منها جميعاً في النهاية عبر البول. وتقوم الكليتان بتنقية وتصفية كل مليميتر من الدم سبع أو ثماني مرات في اليوم الواحد. ولذا عندما تبدأ الكليتان في الفشل أو القصور عن تأدية وظائفهما، تبدأ المواد السامة في التجمع في الدم، مما يؤدي إلى اختلال التوازن والتركيب الكيميائي فيه، وهو الاختلال الذي تنتج عنه قائمة طويلة من المشكلات الصحية. فمثلاً يؤدي تراكم مادتي "اليوريا" و"الكرياتينين" إلى الضعف العام والشعور بالإرهاق مع فقدان الشهية والقيء. بينما يؤدي تراكم المواد الحمضية الناتجة عن العمليات الحيوية إلى حالة صحية خطيرة تعرف بالـ (Metabolic Acidosis). ويؤدي فشل الكليتين في التخلص من عنصر الفوسفات إلى رفع تركيزه في الدم وانخفاض تركيز عنصر الكالسيوم، وهو ما تنتج عنه هشاشة العظام وسهولة تكسرها. وتنتج الكليتان مادة شديدة الأهمية لإنتاج وتجديد الدم هي (Erythropoietin)، ويؤدي فشل الكليتين إلى عجزهما عن إنتاج هذه المادة وإصابة المريض بفقر الدم أو الأنيميا الشديدة. ويترافق الفشل الكلوي أيضاً مع اختزان السوائل وزيادة حجمها في الجسم، وهو الوضع الذي يؤدي إلى انتفاخ القدمين والوجه والبطن، مع إصابة المريض بارتفاع ضغط الدم وصعوبة التنفس. ويعتبر التهاب الكليتين الحاد والإصابة بمرض السكري، أهم الأسباب التي تؤدي بالكليتين إلى الفشل في أداء وظائفهما. هذا بالإضافة إلى وجود "الحصاوي" في المجاري البولية، وتكيّس الكليتين، والإصابة ببعض أنواع أمراض المناعة الذاتية مثل مرض الذئبة الحمراء، وارتفاع ضغط الدم، وتعاطي بعض أنواع العقاقير الطبية المضرة بالكليتين. وتظهر أعراض الفشل الكلوي في شكل إحساس عام بالإرهاق مع شحوب وجه المريض، وإصابته بحكة جلدية في مناطق الجسم المختلفة، وفقدانه للشهية ويترافق ذلك مع الغثيان والقيء، مع انتفاخ الوجه والقدمين، واضطراب عدد مرات التبول وكمية البول الناتج. وغالباً ما تعالج حالات الفشل الكلوي من خلال عمليات الغسيل، وهي عملية اصطناعية تتم فيها محاكاة الوظائف الطبيعية للكليتين قدر الإمكان. وينقسم الغسيل الكلوي إلى نوعين: في النوع الأول المسمى (hemodialysis) يتم تدوير الدم خارج الجسم عبر مجموعة من الأنابيب المتصلة بجهاز خاص. ويمكن لهذا الجهاز أن يقوم بتنقية وتصفية الدم من المواد السامة كما تفعل الكليتان في الوضع الطبيعي، ولكن من خلال مرور الدم على مواد كيميائية خاصة. وغالباً ما يحتاج مريض الفشل الكلوي إلى مثل هذا الإجراء -المكلف مادياً- ثلاث مرات في الأسبوع، تستمر فترة الغسيل في كل منها ثلاث أو أربع ساعات. أما النوع الثاني من الغسيل والأقل استخداماً فهو الغسيل البريتوني، الذي يتم عبر غشاء البريتون المبطن لأعضاء البطن.
وبخلاف جلسات الغسيل الكلوي الدائم، تعتبر عمليات زراعة الكلية هي الحل الدائم والأفضل، إذا ما أجريت للمريض المناسب وفي الوقت المناسب. ولكن كما هو معروف تعاني عمليات زراعة الأعضاء – من كلية أو غيرها- من مشكلة النقص الحاد والمزمن في ما هو متوفر من أعضاء صالحة للزراعة. فمن بين المرضى المنتظرين لزراعة عضو لإنقاذ حياتهم، يلقى ثلثاهم حتفهم قبل أن يعثروا على عضو، وهو ما أدى إلى نشوء سوق سوداء للأعضاء البشرية، وارتفاع مطالبة بعض الجهات الحكومية والمنظمات الطبية بضرورة السماح قانونياً ببيع وشراء الأعضاء البشرية. بينما سعت الكثير من المنظمات الحكومية وغير الحكومية إلى حل مشكلة هذا النقص الخطير، من خلال حملات مكثفة لتشجيع العامة على التبرع بأعضائهم أثناء حياتهم وبعد مماتهم. وعمدت بعض الحكومات (فرنسا مثلاً) إلى سن تشريع يقضي بأن كل شخص متوفى (سواء كان في حادث أم لا)، يعتبر ضمناً متبرعاً بجميع أعضائه، ما لم ينص صراحة قبل وفاته على أنه لا يرغب في هذا التبرع. وهذا على عكس التشريعات المعمول بها في الولايات المتحدة والدول الإسلامية، والتي تنص على أنه لا يجوز (حصد) أعضاء من شخص متوفى، ما لم ينص صراحة قبل وفاته على أنه يرغب في التبرع بأعضائه. ومن الحلول الأخرى المطروحة منذ فترة لمشكلة النقص المزمن في زراعة الأعضاء، حل استخدام أعضاء الحيوانات لاستبدال الأعضاء البشرية عند فشلها وتوقفها عن العمل. بينما يرى البعض أن الحل الدائم والجذري لمشكل