النقد...أداة للتطوير
من هو الشخص الذي يظن أنه بعيد عن الانتقاد؟ ومن هو صاحب المنصب الذي لا يبحث إلا عن الثناء على انجازاته؟
ولماذا يحسب البعض أنه فوق النقد، وانجازاته ليست مطروحة للجدال أو الشك ؟ وماذا لو تم تناول سلوك شخصية ما بالانتقاد؟ فالمرتضي بالمنصب العام عليه الإيمان بتبعات المنصب وبأعين الرقابة على كل تصرفاته الخارجة عن الأطر الوظيفية المناطة به.
في أوروبا يتم تناول كبار المسؤولين بكثير من الانتقاد إن هم حاولوا ممارسة دور أكبر من كونهم موظفين معينين في منصبه برضى الشعب أو حاول أحدهم استغلال منصبه ليتفرغ لحسابه الخاص أو سعى لتضليل الرأي في أمر حتى ولو كان خاصاً به.
ولعل رؤية كلينتون وهو جالس ضمن جمهور مشجعي منتخب بلاده في "المونديال"، دلالة واضحة على كونه انتهى من مهام وظيفته كأرفع مسؤول لأكبر دولة في العالم.
هذا الفكر هو ما يحتاجه المسؤولون في بلدان العالم الثالث، فالوظيفة ليست مؤبدة وأيادي التغيير تطال الجميع مهما كان النجاح عنواناً لمؤسسة ما، والنقد والأسئلة فكر حر مطلوب لتطوير العمل وتفعيل إبداعاته المرجوة.
فالنقد حالة صحية تعكس وعياً ضرورياً من الجميع تجاه أصحاب المناصب، الذين تقلدوا مناصب عامة ويجتهدون في الحفاظ على كراسيهم، التي مهما كانت محاولاتهم لا يمكنها أن تستمر.
فعهد الاختباء ومحاولة إظهار الإيجابيات انتهى، فلا أحد يستطيع أن يطيل فترة البقاء في الظل أثناء تقلده لمنصب عام، فالتكنولوجيا لم تترك لأياً كان فرصة الهرب من ألسنة المواجهة، فذاك عهد انتهى بمجرد ما تم فتح بوابات أسماء المعلومات بالتطاير والتحليق هنا وهناك.
والوقوف موقف المدفع دائماً يعكس الضعف ويعزز من فرص التساؤلات حتى وإنْ كانت قاسية في إظهار الحقيقة. فالحل ليس الدفاع بقدر ما هو في الشفافية وحسن الإدارة، فالدفاع عن تزيين الأمور يزيد الطين بلة... ويسهم في ترويج الكثير من الشائعات، لأن الضعف هو حالة من استمراء الواقع وإنْ كان خاطئاً.
قد تكون هناك أسئلة متجنية أو صعبة أو بعيدة عن الحقيقة، لكن الواقع يفرض نوعاً من المجابهة لكل أصحاب المناصب العامة.
لذلك كان الاختيار المدروس لأصحاب المناصب بأشخاص لديهم من الكفاءة ما يكفيهم بنشر النقد، فصيانة المنصب العام، والحفاظ على مكانته في المجتمع تتطلب اختيار من هم مؤهلين لمناصبهم.
ومن ثم فإن المحك الفعلي هو التأكيد على الاهتمام بالاختيار وبحسن التدبير لاستلام زمام الأمور في مختلف المؤسسات، انطلاقاً من أسس تقوم على قوة المعرفة والعلم والخبرة التي تكفل نجاحاً مميزاً وكف الأسئلة، لأن صاحب المنصب أقدر الناس على فهم وإفهام الناس حقيقة الوضع القائم وتبعاته.