خليج المكسيك وخطر "العاصفة السامة"
يعتقد "رون جريف" أن الأسوأ لم يحدث بعد في دراما التسرب النفطي التي تتواصل حلقاتها قرب البلدات الشاطئية على طول ساحل خليج المكسيك. وهكذا، وعلى غرار عدد متزايد من سكان المنطقة، أخذ جريف، وهو بائع ألواح شمسية في مدينة بيناساكولا (فلوريدا)، دروساً حول المواد الخطرة وتسلم بعد إتمام الدورة "بطاقة المواد الخطرة". وحسب "جريف"، فإن هذه البطاقات يمكن أن تصبح بالغة الأهمية خلال الأسابيع والأشهر المقبلة؛ حيث يخشى السكان ألا يواجهوا عمليات إخلاء جماعية فحسب، في حال ضرب إعصار البقعةَ النفطية التي يبلغ عرضها 250 ميلًا وجرفها فوق الكثبان الرملية والبلدات الشاطئية، وإنما إعادة إسكان دائمة ربما.
السكان، الذين خبروا الأعاصير والعواصف الاستوائية، يعرفون أن الأمر قد يستغرق أياما، بل أسابيع، قبل أن يتم فتح الطرق وتسمح السلطات للسكان بالعودة لتفقد ممتلكاتهم والوقوف على حجم الخسائر التي لحقت بها والشروع في إعادة البناء بعد مرور الإعصار. أما في حال حدوث "عاصفة سامة"، فإن السكان الذين يتوفرون على بطاقات المواد الخطرة هم فقط الذين سيُسمح لهم بعبور الجسور للعودة إلى منازلهم، كما يقول جريف، وذلك نظراً لأن أخطار التسمم ستكون مرتفعة جدا بالنسبة للسكان غير المدربين.
وفي هذا الإطار، يقول جريف: "يجب على المرء أن يتوفر على هذه البطاقات حتى يستطيع العودة"، مضيفاً "في هذه الدروس، يقولون لك إن ابتلاع ولو كمية صغيرة من النفط أو تلويث يديك ببعض من هذه المادة ثم قيامك بتدخين سيجارة يمكن أن يكون قاتلاً".
والواقع أن المخاوف من الضرر البيئي تطغى على القلق بشأن البقعة، التي بدأت في التشكل عندما انفجرت المنصة النفطية "ديبووتر هورايزن"، التي تستأجرها شركة "بريتيش بتروليوم"، في 20 أبريل الماضي، ما أسفر عن مقتل 11 شخصاً. وقد غرقت المنصة بعد ذلك بيومين ليبدأ النفط في التدفق في الخليج المفتوح.
غير أنه في حال ضرب أحد أعاصير الخليج البقعةَ النفطية السامة التي تطفو على سطح البحر ودفعها إلى اليابسة، فإن وقع ذلك على التجمعات السكنية والصحة يمكن أن يتحول إلى مصدر قلق كبير. كما أن عودة السكان ربما تستغرق فترة أطول بكثير، وقد يترتب عن ذلك إخلاء تجمعات سكنية بكاملها في الجزر والخليج والنهر على طول ساحل خليج المكسيك، الذي يعرف كثافة سكانية مهمة. وهذا السيناريو يشكل جزءا مما يتسبب في انتشار مشاعر الإحباط بين العديد من السكان المحليين في خليج المكسيك، والذين يرغبون في تكثيف وتنسيق مزيد من جهود التنظيف والتطهير من قبل "بريتيش بتروليوم" و"القيادة الموحدة لحرس السواحل" في ولاية نيو أورليانز.
في هذه الأثناء، توجد "إيه ويل" السفينة الصهريج العملاقة المخصصة لشفط البقع الزيتية التي تتكون على سطح البحر والقادرة على جمع 500 ألف برميل من المياه الملوثة بالنفط يوميا، في طريقها إلى الخليج، ولكن مالكيها لم يتلقوا تطميناً بأنها تستطيع الانضمام إلى جهود تنظيف سطح البحر. وفي السياق ذاته، وجه بعض أعضاء الكونجرس انتقادات لإدارة أوباما لأنها لم تتحرك بسرعة أكبر لتطلب مساعدة سفن دولية لشفط الزيوت من أجل المساعدة على جمع النفط.
غير أن حرس السواحل أعلن يوم الجمعة أنه سيشرع في إزالة المراكب والمنصات بعيدا عن موقع "ديبووتر هورايزن" قبل 120 ساعة على اقتراب أحد الأعاصير، ما أنهى في تلك اللحظة كل جهود شفط الزيوت وأخَّر حفر آبار جديدة بهدف تخفيف الضغط على البئر الرئيسية التي يتسرب منها النفط، وهي عملية في طريقها إلى تحقيق هدفها المتمثل في سد البئر بحلول أواخر أغسطس المقبل – الذي يعتبر ذروة موسم الأعاصير. والجدير بالذكر هنا أن البئر من دون غطاء لاحتواء النفط المتدفق يمكن أن تلفظ ما بين 35 ألفا و60 ألف برميل نفط يومياً، وربما أكثر.
وعلاوة على ذلك، يتوقع العلماء هذا الصيف واحداً من أنشط مواسم الأعاصير في خليج المكسيك منذ سنوات، حيث يتوقعون ما بين 14 و23 عاصفة مسماة و14 إعصارا هذا الصيف – مقارنة مع متوسط 11 عاصفة مسماة في الموسم. وعلى سبيل المثال، فقد تشكلت العاصفة الاستوائية "أليكس" في غرب الكاريبي يوم السبت، ولكن خبراء الأرصاد الجوية أعلنوا أنه من غير الواضح ما إن كانت ستضرب البقعةَ النفطية الضخمة في خليج المكسيك، كما نقلت وكالة "أسوشييتد بريس". و أعلن خبراء الأرصاد الجوية في "مركز الأعاصير الوطني" بميامي في وقت مبكر من يوم السبت الماضي أن قوة رياح العاصفة القصوى قد تناهز 40 ميلا في الساعة.
وكانت معظم نماذج العواصف تُظهر تحرك "أليكس" فوق شبه جزيرة يوكاتان المكسيكية خلال عطلة نهاية الأسبوع، حسب خبير الأعاصير "جاك بيفنز" الذي أشار إلى أنه من السابق لأوانه الجزم بأن العاصفة ستمر عبر خليج المكسيك حيث تنتشر بقعة النفط، وإن كان من غير المتوقع في الوقت الراهن أن تضرب المنطقة. أما في حال حدث ذلك، يقول جريف، "فإنها ستكون فوضى حقيقية!".
باتريك جونسون
كاتب أميركي متخصص في الشؤون العلمية
ينشر بترتيب خاص مع خدمة "كريستيان ساينس مونيتور"