فازت فرنسا بكأس المونديال في سنة 1998، ثم اختطفته إيطاليا منها في المباراة النهائية لمنافسة 2006، لكي تحصل على الكأس، لكن خسر هذان الفريقان المنافسة وتم استبعادهما بعد الجولة الأولى في جنوب إفريقيا. ولن يكون هذا الاستبعاد لفريقين كبيرين من أوروبا آخر المفاجآت والاحباطات، وستشعر أيضاً شعوب هذه الفرق بالحزن وخيبة الأمل، مثلما حدث مع جماهير الإنجليز عندما تعرضوا لهزيمة كبيرة على أيدي الفريق الألماني. قد تختلف درجة المفاجأة والإحباط، وحتى نوعيتها، لكن وجودها نفسه جزء لا يتجزأ من المونديال، وحتى في وجود أية منافسة دولية. لكن هل هناك فعلاً علاقة محددة بين مونديال 2010 والعولمة، أم أننا نحاول إقحام العولمة في كل شيء، كأنها مطرقة في أيدينا ثم نرى كل شيء حولنا كأنه مسمار نحتاج إلى أن ندق عليه لتثبيته؟! في الواقع، لفظ المونديال نفسه هو أكبر تجسيد للعولمة، فالتسمية تأتي من الكلمة الفرنسية "موند" والكلمة الإسبانية "موندو"، أي العالم، ولم يتم استخدام هذا اللفظ إلا حديثاً، وحتى تاريخ عولمة كرة القدم -هذه اللعبة الشعبية الأكثر انتشاراً في أنحاء المعمورة، والذي يجسده لفظ المونديال- هو تاريخ حديث نسبياً، فلم تظهر اللعبة الكروية إلا في نهاية القرن الثامن عشر وبداية القرن التاسع عشر، والسبق فيها يرجع إلى إنجلترا. وقد يكون من المدهش أن نعرف مثلاً أنه عند احتلال إنجلترا لمصر في سنة 1882، لم تكن هناك كرة قدم بالمعنى المعروف حالياً. وعندما تكلم علماء الحملة الفرنسية عن الرياضة في مصر، ذكروا الطاولة والشطرنج وكذلك الدومينو، ولم يأتوا بكلمة عن كرة القدم في "وصف مصر". وربما يكون هؤلاء العلماء قد نسوا ما يعرف في الريف المصري وأحياء المدن الشعبية بـ"كرة الشراب"، والتي يتسلى بها الصبية حتى الآن. لكنها ليست كرة القدم التي جلبها الإنجليز معهم إلى مصر، أي لعبة ذات نظام وقوانين محددة، تضم عدداً معروفاً من اللاعبين. انتشار كرة القدم بهذا المفهوم -كانتشار الظاهرة الاستعمارية نفسها- هو إذن من أهم مظاهر العولمة، واسم المونديال نفسه خير دليل على ذلك. لكن هل هناك جديد من هذه الناحية فيما يتعلق بمونديال سنة 2010؟ سأقتصر على نقطتين فقط: أول ما لفت نظري في هذا الصدد هو الحراك العالمي الضخم بين اللاعبين، ليس فقط من فريق إلى آخر، بل من قارة إلى أخرى. فالفريق الألماني أو الدنماركي أو غيره من فرق شمال أوروبا ذوي البشرة البيضاء الصارخة والشعر الأصفر والعيون الزرقاء... لم تعد كذلك بالمرة، بل هي الآن مُطَعَّمة بذوي البشرة الزيتونية من شمال إفريقيا، بل حتى بذوي البشرة السوداء الداكنة من دول جنوب القارة السمراء. بل إن عدداً من اللاعبين يلعبون كشركاء في نفس النادي الأوروبي، قبل أن يكونوا متنافسين في المونديال. أعتقد أن حراك اللاعبين على المستوى العالمي هو أسرع حراك يوجد حالياً، فهو يتم في بعض الأحيان خلال أسابيع إن لم تكن أياماً. ثم أليس مدهشاً أن يكون اسم مدرب الفريق الإنجليزي فابيو كابيللو، وهو اسم -حتى قبل أن ينطق بكلمة تنم عن لهجته الإيطالية- يشابه في جوهره الإيطالي ما عندنا من الأسماء المنتشرة التي تعكس ثقافتنا العربية مثل: مصطفى، أحمد، نبيل؟ هذا الحراك العالمي بين الرياضيين والمدربين، يذكرني بظاهرة أخرى من ظواهر العولمة: سيطرة المال، فخلال كل شهر تقريباً تخبرنا أجهزة الإعلام بملايين الدولارات التي يتم إنفاقها لكي يترك مثل هذا اللاعب النادي الفلاني، وينضم إلى النادي العلاني، مبالغ جد طائلة في عالم لا يزال يسيطر عليه الفقر ويزداد عدد فقرائه يوماً بعد آخر. بل إن طبيعة الأندية نفسها بدأت تتغير، من مؤسسات رياضية بالدرجة الأولى في الماضي إلى أجهزة اقتصادية ومجالات للاستثمار، ولم يقتصر هذا المجال على الأوروبيين والأميركيين، بل يدخله الآن العديد من العرب أيضاً. ضيق المساحة لا يترك المجال للكلام عن مفهوم السيادة مع هذا الحراك العالمي، لكن النقطة الرئيسية هي أن المظاهر قد تكون فعلاً خادعة، فقد يبدو كما لو أن مونديال سنة 2010 لم يعكس أي تغير مقارنة بالدورات التي سبقته منذ عدة عقود، لكن ما يحدث تحت السطح هو شيء آخر.