تعوّد المسلمون على النحر يوم عيد الأضحى، وذلك تيمناً بحادثة تحقيق الرؤيا للنبي إبراهيم عليه السلام، حيث فدى سبحانه وتعالى ابنه من الذبح بكبش عظيم. والآن تلحّ ظاهرة "النحر" في قلب العالم الإسلامي -في العراق والسعودية- كموضة جديدة من موضات تجسيد الاختلاف مع الآخر.. وإقصائه.. والحكم عليه بعدم الصلاحية للحياة.
ورغم أن هنالك اختلافات في وجهات النظر بين المسلمين وغيرهم من الأمم حول نحر "الخرفان" وبقية الحيوانات، حيث نشطت منظمات الدفاع عن حقوق الحيوان بالترويج لأساليب أقل إيلاماً للحيوان عند النحر، فكيف الحال مع نحر البشر!
نحن أمام معضلة كبرى! ولا ندري -كمسلمين- بأي وجه نقابل العالم! أحداث 11 سبتمبر، غير المبررة على الآمنين في الولايات المتحدة، كشفت وجهاً غير مريح للعرب والمسلمين لدى شعوب العالم. وإذا كان العالم -في السابق- يلاحظ بعض التصرفات الحمقاء، من بعض العرب الشاذين في العواصم الأوروبية، وقامت كاميرات "هوليوود" بتصوير تلك التصرفات في أفلامها، فإن الموضة الجديدة في "النحر"، سوف تغري بالمزيد من المشاهد لتصوير الحقيقة التي درجنا -كعرب ومسلمين- على نفيها، واعتبارها تجنياً علينا، وأن اليهود الذين يسيطرون على السينما ووسائل الإعلام العالمية، هم سبب ما يحدث لنا من تصاوير سلبية!
ماذا لدينا اليوم من ذرائع وأسباب ندافع بها عما سيتم تصويره؟ وهل هذا الذبح -بدمٍ بارد- للأبرياء يحتاج إلى تبرير وشروحات؟
ماذا ستكون ردة فعل عائلة عربية تتجول بأمان في باريس أو لندن عندما تجد عائلها، أو إحدى بناتها مقطوعة الرأس في أحد الشوارع؟
ماذا ستكون ردة فعل عائلة عربية عندما تسمع أن ابنها الذي يدرس في الولايات المتحدة قد تم ذبحه على طريقة "القاعدة" ووُضعتْ رأسه فوق سيارته؟ لماذا نتعاطف نحن مع هذه العائلة أو تلك، ولا يجوز للعالم أن يتعاطف مع عائلة "المنحور" جونسون؟ولماذا يحق لنا أن نكتب بيانات الاحتجاجات، ونسخِّر الفضائيات للدفاع عن الحق.. ونبذ العنف والاعتداءات على الآمنين -إن كانوا من أبناء جلدتنا- وننسى البشر الآخرين، بل ولا يتحرك فينا ساكنٌ عندما نشاهد و-بدمٍ بارد- صوت حشرجات الضحية بين أنياب السكين غير المسنونة، والتي تخالف عملية "النحر" على الطريقة الإسلامية بأن "تُحسَّن الذبحة" حسبما جاء في حديث الرسول الكريم.
لقد حقنتنا ثقافتنا المنغلقة، وسوء تفسيرات بعض علمائنا لآيات القرآن الكريم والسنة، بأننا أعظم أمة وجدت للناس، وأن الآخرين كفار، ومارقون، ونحن الذين نستحق الحياة ونسود في الأرض، ونأخذ غنائمها.. وغيرها من الترهات التي أفسدت عقولنا وشخصياتنا وموقف العالم منا!
ولقد حاولت العديد من الدول -عبر ثلاثة قرون- بدعايات واستمالات وصداقات أن تُحسّن الصورة النمطية التي صورتنا فيها وسائل الإعلام الغربية، كما حاول بعض علماء الدين التجوال في البلاد الأوروبية والأميركية لنشر وتبيان تعاليم الدين السمحاء! ولعليّ هنا أتألم على ضياع تلك الجهود والأموال خلال العقود الطويلة، نتيجة موجة "النحر" الجديدة التي ظهرت في العالم الإسلامي!
إن أسوأ مآسينا أننا لا نعترف بما يقترفه السفهاء منا! كما أننا جاهزون لعبارات التبرير، وكأننا لا نعترف بعقول الآخرين وقدرتهم على التفكير، كما أن حالات القمع التي مورست ضدنا، واحتضنتها الأنظمة -تسويراً لبقائها واستمراريتها- لم تجعلنا ندرك يوماً أن تلك الحالات سوف تنفجر، وترد السكين على أصحابها! أو مثلما تقول العرب "عادت تأكل أبناءها"!
كما أن ما تقوم به الجماعات التي تنتسب للإسلام، من أعمال وحشية، وتهديدات، ومصادرة حقوق الآخرين، يصبُّ في صميم الفكر الضال الذي هو الآخر لم تبخل عليه الحكومات بالمال والتأييد -كلٌ حسب ظروفه حتى الثورات المجيدة في العالم العربي- والاحتضان الطويل لتحقيق مكاسب وأهداف الأنظمة.
الحقيقة الثالثة، أن معظم الدول العربية والإسلامية احتفظ بعلاقات وطيدة مع الولايات المتحدة، ومنها ما استجلب قوات أميركية وبريطانية منذ أكثر من أربعين عاماً، وعزّز الكراسي بهذا الوجود، ولم يترك فرصة للوطنيين للتعبير عن آرائهم حول تلك العلاقة أو ذاك الوجود. وقد لا نستغرب أن تحاول الولايات المتحدة تعزيز وجودها العسكري في المنطقة -خصوصاً السعودية- لتأمين آبار النفط والحفاظ على تدفقه لأسواق العالم كونه سلعة عالمية، وليست سعودية فقط! وهذا الإجراء -وإن وافقت عليه السعودية على مضض- فإنها محقة ليس فقط لحماية النفط ومسؤوليتها عنه، بل لأن العاملين في هذا الحقل أيضاً لهم حقوق العيش بأمان وكرامة، كما لا يخفى التصريحات السعودية -عادل الجبير من واشنطن- بأن هنالك تعاوناً استخباراتياً بين واشنطن والرياض لمكافحة الإرهاب والتصدي للعمليات التي تدور رحاها في أنحاء السعودية حالياً.
إذن، إذا كان هدف من يقومون بالخطف، و"النحر" والمساومة، هو إخراج الأميركان من ديار الإسلام، فإن الحقيقة الماثلة أن هذا الهدف لن يتحقق، بل إن عكسه ما سيتم على الأرض. و