يوم الاثنين الثامن والعشرين من هذا الشهر يتوجه الناخبون الكنديون -حوالي 12 مليون ناخب- إلى صناديق الاقتراع لينتخبوا ممثليهم في مجلس العموم الكندي "البرلمان"، في معركة انتخابية حامية الوطيس، وصفت بأنها الأشد خطراً في تاريخ الحياة الكندية في العقدين الأخيرين. فبعد دورتين انتخابيتين (93-1997) حقق فيهما حزب الأحرار الحاكم انتصاراً انتخابياً واسعاً، يواجه الحزب تكتل اليمين المحافظ الذي التأمت صفوفه بتوحد المحافظين -الذين انقسموا إلى حزبين في الانتخابات السابقة- في حزب واحد، هو حزب المحافظين الجدد التقدمي. خطورة وأهمية المعركة الانتخابية الجارية الآن في كندا، أنها لم تعد معركة قاصرة على التمايز بين الأحزاب المتنافسة "الأحرار - المحافظون والديمقراطيون الجدد" حول البرامج الاجتماعية مثل الرعاية الصحية والتعليم والمواصلات وغيرها من القضايا ذات الطابع الاجتماعي التي تهم وتشغل الناخب الكندي عادة، وإنما تجاوزتها لتصبح السياسة -والسياسة الخارجية والدفاعية تحديداً- في قلبها وأحد أهم محاورها.
وفي هذا المحور يبرز الشرق الأوسط والعراق والعلاقات مع بلدان العالم العربي والإسلامي وإسرائيل، كأحد أهم القضايا التي يدور حولها النقاش والصراع بين الأحزاب المتنافسة. كذلك تبرز العلاقة مع الولايات المتحدة الأميركية والموقف الكندي من سياساتها العسكرية وبخاصة مشروعها لإقامة الجدار الصاروخي حول أميركا الشمالية التي دعت كندا لتكون ركناً من أركانه، والذي يقود الحزب الحاكم "الأحرار" والحزب المعارض "الديمقراطي الجديد" معارضة شعبية واسعة النطاق ضده، ويؤيده الحزب المحافظ -الذي يُوصف بأنه النسخة الكندية من الحزب الجمهوري- بكل قواه.
في هذه المعركة الحامية يلحظ المراقبون أن لاعباً جديداً قد برز في الميدان وأصبح موقفه والسعي لاجتذابه محل تركيز واهتمام الأحزاب المتنافسة، ذلك هو الناخب المسلم الكندي. ففي هذا المجتمع المتعدد الأعراق والديانات والممل يشكل المسلمون الديانة الكتابية الثانية ويبلغ تعدادهم حسب إحصاء عام 2002 أكثر من ستمائة ألف مواطن.
لقد كان يُلاحظ فيما قبل الحادي عشر من سبتمبر، أن المواطنين الكنديين المسلمين، كانوا أقل الجماعات الكندية حماسة للمشاركة في اللعبة السياسية وتوابعها من اللعبة الانتخابية، وأنهم ورغم وجودهم وعددهم المؤثر في بعض المدن الكبرى مثل تورنتو -في مدينة تورنتو الكبرى أكثر من ثلاثين مسجداً- كانوا يعزفون عن المشاركة النشطة في الحياة السياسية. لكن ولأن أحداث سبتمبر قد غيرت وجه الحياة في العالم وخصوصاً في أميركا الشمالية، فإن المسلمين الكنديين الذين لمسوا بأنفسهم التأثير السلبي عليهم، فقد دبت الحياة في مجتمعاتهم وتجمعاتهم وأصبح اهتمامهم بالعملية السياسية واضحاً وشديداً. دليل ذلك أنه في هذه الانتخابات رشحت الأحزاب الثلاثة الرئيسية عدداً مضاعفاً عن عدد المرشحين الذين خاضوا آخر انتخابات برلمانية ومن بينهم عدد من السيدات المسلمات البارزات في مجال الخدمة الاجتماعية والسياسية في مدن مثل تورنتو، وأوتاوا وفانكوفر، وأصبح لا يمر يوم خلال أيام المعركة الانتخابية إلا وتشاهد فيه في التلفزيون وجهاً لمرشح أو مرشحة مسلمة، وتلك ظاهرة طيبة يحتاج إليها المجتمع الإسلامي الكندي كثيراً. فهذا الجيل الثالث من المسلمين الكنديين -بعكس جيل أجداده وآبائه- يعرف كيف يرسخ أقدامه في الحياة السياسية والاجتماعية، ويسعى بقوة لتحقيق وجوده الإسلامي في مجتمع يتقبل التمايز والاختلاف في العرق والمعتقد وسينجح في تحقيق ذلك.