إن القرار الصادر بإنشاء المؤسسة الأورومتوسطية للحوار بين الثقافات والحضارات، والتي تضم في عضويتها دول الاتحاد الأوروبي ومعظم الدول العربية المطلة على البحر المتوسط، وأيضا تركيا وإسرائيل؛ بالإضافة إلى الحوار الأوروبي-الخليجي، يتطلبان التفكير في إنشاء شبكة عربية لتنسيق وتحضير المواقف العربية في الحوار الثقافي ضماناً لأعلى درجة من التقارب بين وفود الدول العربية ليتحدث العرب بلسان واحد أو على الأقل بنغمات متقاربة مع الأطراف غير العربية.
بمناسبة القرار الأخير الذي صدر في منتصف مايو 2004 عن المجلس الوزاري الأورومتوسطي في دورة انعقاده بدبلن والذي أقر اعتبار مدينة الاسكندرية مقراً دائماً للمؤسسة الأورومتوسطية للحوار بين الثقافات والحضارات... نظمت صحيفة "الأهرام" بالتعاون مع مكتبة الاسكندرية ندوة حول ضرورات الاستعداد المصري لهذا الحوار من ناحية، واستطلاع آفاق الحوار المرتقب من ناحية ثانية.
لقد مثلت الندوة فرصة بحثية استطلاعية للطرفين الأوروبي والعربي لتسجيل المخاوف والتحفظات من ناحية، وطرح أولي وأساسي للتطلعات من هذه المؤسسة من ناحية ثانية، وهو ما سنأتي عليه لاحقاً.
إن نظرة على قرار إنشاء المؤسسة تبدو ضرورية هنا لمعرفة أهدافها وفلسفتها وأنشطتها والدوائر المستهدفة بالحوار على شواطئ البحر المتوسط وفي العمقين الأوروبي والعربي لهذه الشواطئ بالتالي.
يشير القرار في الديباجة أن المؤسسة تنشأ في إطار فلسفة إعلان برشلونة الصادر عام 1995 والذي ينص في الفصل الثالث منه على الحاجة لتنمية وتطوير حوار للثقافات والحضارات في إطار المجتمعات الواقعة على حوض البحر المتوسط. من هنا تعتبر ديباجة القرار أن إنشاء المؤسسة يمثل أولوية لسد الحاجة إلى كيان ديناميكي يمكن أن يسهم على نحو حاسم في تنمية إحساس حقيقي بالشراكة بين أعضاء عملية برشلونة. فضلاً عن ذلك فإن التنفيذ للفصل الثالث في إعلان برشلونة يتطلب أعمالاً تستهدف الوصول إلى أكبر عدد من المواطنين لتوفير مستوى أعظم من المعرفة المتبادلة بينهم، وبالتالي فإن المؤسسة تأتي كوسيلة لتنفيذ مشروعات تتصل بالحوار بين الثقافات والتعاون الثقافي المتزايد. بالإضافة إلى هذا تنص ديباجة إنشاء المؤسسة على أهميتها كعنصر حافز ومساعد على التعاون بين الشبكات القائمة والمنظمات غير الحكومية والمؤسسات الأخرى التابعة للمجتمع المدني التي تعمل في المنطقة الأورومتوسطية.
إذن يمكننا استخلاص الفلسفة العامة التي أملت إنشاء المؤسسة في عبارة موجزة، وهي تعميق الفهم المتبادل والمعرفة المشتركة بين أوسع عدد من المواطنين على ضفاف المتوسط عبر تنشيط مؤسسات المجتمع المدني في إطار المؤسسة. بما يعني أن الحوار الثقافي يستهدف قواعد المواطنين والمثقفين في المجتمعات المتوسطية المرتبطة بعمقها الأوروبي أو العربي ولا يقتصر على استهداف الصفوة أو النخب الثقافية وحدها. وهي في تقديري فلسفة إيجابية لبناء روابط أفضل بين الشعوب بشرط أن تكون عملية بناء الروابط متكافئة وتضع في الاعتبار أن الحوار الثقافي بمفهومه الشامل لا يمكن أن ينفصل عن المشكلات السياسية أو حالات الظلم القومي أو مشاعر عدم العدالة تجاه سلوك بعض أطراف المؤسسة، وأعني بالتحديد إسرائيل. وهنا يصبح هدف الحوار الأورومتوسطي أو بالأحرى يجب أن يكون مناقشة العقبات السلوكية والأيديولوجية والسياسية التي تحول دون تدفق التفاهم المتبادل نتيجة لمجمل التصرفات والتوجهات الإسرائيلية تجاه شركاء المؤسسة في فلسطين وما تخلقه بالتالي من حواجز نفسية وثقافية لدى الجماهير العربية في حوض البحر المتوسط وفي العمق العربي على حد سواء.
وإذا ما انتقلنا إلى أهداف المؤسسة كما ترد في قرار إنشائها فإننا نجد ثلاثة أهداف رئيسية على النحو التالي: 1- تحديد وتطوير ودفع مجالات التقارب الثقافي بين بلدان وشعوب حوض البحر المتوسط. 2- إجراء حوار منتظم وعن قرب بين الدوائر الثقافية التي كانت عادة خارج عمليات التبادل الديبلوماسي والثقافي. 3- قيام المؤسسة بدور العامل المساعد على دفع التعاون وحفز التبادلات بين الشعوب على كل المستويات مع التركيز على نحو خاص على استهداف الشباب والأنشطة التي تهم الأعمار الصغيرة.
إن تأمل هذه الأهداف الرئيسية يكشف على نحو مباشر اهتمام صناع قرار إنشاء المؤسسة الأورومتوسطية للحوار بين الثقافات والحضارات، وهم وزراء خارجية الدول المشاركة في عملية برشلونة، بأن تكون المؤسسة وعاء لإشراك الأوساط الثقافية والشعبية في المجتمعات على نحو عام والشباب وصغار السن على نحو خاص في دائرة الحوار الثقافي وأنشطته ومجالاته. وهو اتجاه يجب تقديره على نحو إيجابي إذا ما أخلصت جميع المجتمعات الأورومتوسطية في بناء جسور فيما بينها تقوم على قيم العدل واحترام حقوق الآخرين ومراعاة تقاليدهم وثقافاتهم الوطنية. وهنا تعود للظهور مشكلات القيم التوسعية الإسرائيلية التي لا تمثل مجرد اتجاهات سياسية بل تمثل قيماً واتجاهات فكرية وثقافية بين شرائح الم