قلق إيراني مقلق
العقلاء في منطقة الخليج والشرق الأوسط عموما يؤمنون بأهمية إيران وضرورة استقرارها كشرط لاستقرار المنطقة، وضرورة إشراكها في ترتيبات الاستقرار في المنطقة. كما أن العقلاء يعارضون منهج المحافظين الجدد في واشنطن الذين يعتبرون إيران محورا للشر في العالم. ويجادل العقلاء على ضرورة التعامل العقلاني والسلمي مع إيران.
التصرفات الإيرانية الأخيرة مع دول الجوار لم تكن تصب في صالح منهج العقلاء في المنطقة وقلقهم على إيران ومنها. فقبل أسابيع ثارت ضجة كويتية على تدخل إيراني في الشأن المحلي الانتخابي الكويتي، وقد تم "لفلفة" الموضوع وتأجيله، ولا أقول إنهاءه لأن الرأي العام الكويتي لا يزال يطرح تساؤلات مشروعة عن التدخل الإيراني المزعوم وأبعاده وأهدافه. كما ظهر أكثر من توتر في العلاقات البحرية الإيرانية مع جيرانها العرب على الضفة الغربية من الخليج. سلسلة تلك الاختراقات كانت بدايتها باختراقات قوارب صيد إيرانية للمياه الإقليمية الإماراتية، وقامت الإمارات بتوقيف تلك المراكب، تلاها توقيفات متبادلة بين الطرفين. ويبدو أن الأمور تمت معالجتها بوساطة عمانية طلبتها إيران من جارها العماني المعروف بحكمته وهدوئه الدبلوماسي، مما يذكر أن الدبلوماسية الإماراتية تجسد المنهج العقلاني والسلمي في التعامل مع إيران، بتمسكها المبدأي بالحوار كحل وحيد لكافة المشاكل العالقة بما في ذلك الجزر الإماراتية الثلاث المحتلة. بعد ذلك بأيام أوقف قارب صيد إيراني آخر في المياه الإقليمية القطرية من قبل قوات البحرية القطرية، وترك ذلك التزامن تساؤلات حول ما إذا كانت للطرف الإيراني مصلحة في التصعيد مع الجيران العرب.
قبل أيام أيضا، اعتقلت إيران ثمانية جنود بحرية بريطانيين كانوا في طريقهم من ميناء أم قصر إلى ميناء البصرة. لم تكن القوارب مسلحة، واعتذر جنودها البريطانيون الذين دخلوا المياه الإقليمية الإيرانية التي لا يفصلها عن الحدود النهرية العراقية سوى بضعة أمتار. والغريب أن إيران عرضت صورا متلفزة للجنود البريطانيين معصوبي الأعين بطريقة يعرف الطرف الإيراني سلفا أنها سوف تستفز البريطانيين على أعلى المستويات. ولم ير المراقبون مبررا لهذا السلوك الإيراني سوى أن من قبض على البريطانيين كانوا من قوات الحرس الثوري الإيراني "باسدران"، وكانت رسالتهم للداخل والخارج واضحة: نحن هنا، نحن الذين ندير الأمن ونحمي الثورة. كما أن الرسالة الإيرانية الثانية لم تكن موجهة للبريطانيين قدر ما كانت موجهة للعراقيين، وتحديدا للحكومة العراقية المقبلة التي ستتسلم السيادة كاملة بعد أيام قليلة. ومن ثم رأى الإيرانيون في الخطأ البريطاني غير المقصود، مناسبة لتذكير العراقيين بحدودهم التي اختطها صدام حسين وشاه إيران السابق في اتفاقية الجزائر عام 1975، والتي تناصف اٌلايرانيون بموجبها شط العرب مع العراقيين، وشطر بموجبها الشط نصفين لا يفصل أحدهما عن الآخر سوى أمتار فقط.
لكن الرسالة التي استلمها العالم وفهمها وقلق منها، هي أن إيران تعيش حالة من القلق والتوتر، عبرت عنها سياسات لا تعكس توجها واحدا في إيران، وإن حالة القلق هذه قد دفعت إلى تنامي صوت التشدد في مواجهة الآخر، وانحسار صوت العقل، وتراجع التعامل البراجماتي والعقلاني مع الأمور بدلا من دفعها نحو الهاوية. إن القلق والتوتر اللذين تعيشهما إيران، لا يمكن معالجتهما إلا بطغيان صوت العقل، والتفاهم والتعاون مع الجميع، وبالذات مع جيرانها العرب قبل غيرهم.