استغل الحاضر الحوار الدائر حول تجربة دبي ودولة الإمارات الاقتصادية، ليسأل سؤاله إلى سمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، والسؤال الافتراضي هو: كيف سيكون وضع الإمارات لو اعتمدت مبادئ الاقتصاد الاشتراكي واقتصاد القطاع العام بدلاً من أن تتبنى منهجاً اقتصادياً حراً؟ وبدبلوماسية أجاب ولي عهد دبي أنها فترة مضت في العالم العربي وهو لا يعرف عنها الكثير. والواضح أن الشيخ محمد بن راشد أراد في بيروت أن يستعرض تجربة دبي وتجربة الإمارات أمام تجمع عربي اقتصادي ولا يريد أن يلقي مواعظ، فالمثال واضح ونجاحنا واضح ومنهج الاقتصاد الحر جزء مهم من المعادلة، وأما الأستاذ القادم من التيه الاشتراكي فمُدرك لهذا كله، ولم يسأل سؤاله إلا حسرة وأسفاً على عقود تنمية أهدرت، وروح مبادرة جُمدت تحت شعارات خاوية وشفافية منعدمة.
ونعود لجلسة الحوار في بيروت التي تم فيها تكريم سمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم في المؤتمر العاشر للاستثمار وأسواق رأس المال العربية، ففي جلسة الحوار المطوّلة كان حديث الشيخ محمد بن راشد عبارة عن رسالة تفاؤل بالإمارات وبالعرب، وتأكيد على أن الرؤية دون العمل معادلة ناقصة للنجاح، ومثل ما كان هناك تفاؤل غالب في الإجابات والإيضاحات كان التواضع حاضراً دائماً وأبداً، وذلك من خلال التأكيد أمام هذا الحشد العربي أن تجربتنا في بداياتها، وأنها جهد متواضع مع الحرص على الابتعاد عن الوعظ لعالم عربي تدرك العديد من دوله أنها في مؤخرة سباق التنمية.
ولابد أن أشير إلى ملاحظتين مهمتين في حديث سمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، والأولى تتعلق بقضية راهنة، ألا وهي تطورات المركز المالي العالمي، والأخرى إجابة على سؤال يتعلق بأهم عوامل نجاح دبي في رأي سموه. وفي الحالة الأولى استغل الشيخ محمد بن راشد سؤالاً عاماً حول بدء العمل في المركز ليبدد الشكوك حول معايير الشفافية والرقابة والتي يجب تبنيها، وخاصة في ظل الأزمة التي هزت مصداقية الشق الرقابي لهذا المشروع الرائد، وفي هذا المنحى جاء جواب الشيخ محمد بن راشد حاداً واضحاً لصالح استقلالية الجهاز الرقابي مؤكداً أنه شخصياً سيدعم هذه الاستقلالية ويضمنها، وفي ظل هذا الموقف العلني والواضح نتمنى أن يعبر المشروع هذه الأزمة من خلال تمييز واضح لما هو تنفيذي وما هو رقابي.
أما القضية الأخرى فأشمل، حيث إنها تمثل أهم عوامل نجاح تجربة دبي من وجهة نظر الشيخ محمد بن راشد، والنجاح هذا دعامته الرئيسية الشراكة بين الحكومة والقطاع الخاص، فدور الحكومة يكمن في تهيئة الإطار الاقتصادي المناسب وتوفير مناخ الاستثمار المناسب والجاذب والتوجيه الاستراتيجي، إن صح التعبير. ولعل النجاح البارز والذي تحقق في القطاع السياحي خير دليل على فاعلية هذا الجانب، فمن كان يتخيل أن تتحول الإمارات إلى وجهة سياحية مهمة؟ والدور الحكومي كما نراه من خلال هذا الطرح مهم وأساسي ولكنه مساند ومشجع وليس متدخلا ومسيطرا، وفي مثل هذه الشراكة يلعب القطاع الخاص دوره من خلال تبني العديد من المشروعات واستثمار أمواله في البلد لا خارجه. إنها معادلة سهلة ولكنها من السهل الممتنع والتي يتطلب تطبيقها رؤية واضحة ومعها التزام صارم يخلق سجلاً تراكمياً يثق به المستثمرون. ونحن، كما ذكر الشيخ محمد بن راشد، في بداية الطريق لأننا، وإلى الآن، لم نصل لمخزون الاستثمار الخارجي المباشر والذي لا ترى الدول العربية إلا نسبة ضئيلة منه، ولا شك أن استمرارنا في طريقنا مع تبني معايير الشفافية سيفتح هذا النبع ويعطي دفعة قوية جديدة لتجربتنا الاقتصادية الناجحة.
حلقة النقاش، إن صح التعبير، بين سمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم وهذا الجمع من الاقتصاديين العرب كانت فرصة لنا كلنا لنستمع إلى دينامو تجربة دبي الناجحة، والانطباع الغالب الذي يحجب كل ما حوله هو تفاؤل الشيخ محمد بن راشد العميق بعالمه العربي وبدولة الإمارات وبدبي.