روى لي جودت سعيد أنه كان في القصيم قبل أربعين سنة؛ فحدث نزاع حول استخدام مكبرات الصوت كونها بدعة، فهي ليست الصوت الإنساني بل صدى الصوت! قلت في نفسي؛ ليت المتشددين نجحوا في هذا الأمر كما نجحوا في تحريم الدخان والتنباك! فأصوات المكبرات مع الثلث الأخير من رمضان توقظ الأحياء والأموات. ليس هذا فقط، بل نموذج الأدعية أيضاً. فكلها للمسلمين وليست للإنسان أينما كان ومهما دان، وليست من أجل إنزال السلام بين الأنام، بل لإذكاء الصراع في مزيد من التفجيرات، ومنه وجب تجديد الخطاب الديني والأدعية عموما على شكلين؛ ابتكار أدعية جديدة، وإحياء أدعية من السنة للرحمة والعدل. كنت يوما أصلي العشاء فرفع الإمام ذراعيه بالدعاء فاستمطر اللعنات وطلب من رب الرحمة قذف ألسنة اللهب من فوق جبل أثينا على كمية من البشر لا نهاية لأعدادهم من الملحدين والعلمانيين وأضرابهم... فرفعت يدي معه ثم رفعت صوتي: اللهم أنزل السلام بين الأنام، اللهم أوقف الحروب بين البشر وعلمهم الحوار والتفاهم، اللهم ازرع الديموقراطية والشورى في الصدور، اللهم خفف عدد فروع الأمن والمخابرات وكتَّاب التقارير السرية، اللهم علم المواطن المسؤولية والحرية وروح السلام وحب العلم. وبالطبع هُرع أحدهم فاستدعاني للمثول بين يدي "خليفة" المسجد ليحقق في أمري. وكنت قد نويت أن أخبر عنهم رسمياً كونهم بؤرة إرهاب. لقد تحولت المساجد في كثير من الأمكنة فعلا إلى بؤر تنشر القبيح من الأفكار. وقد بلغني أن أحدهم انتبه إلى نموذج الدعاء الذي صممته فبدأ بقراءته على الناس في المساجد، لكن هذا النموذج لم يرق لشيوخ بلاد الشام، فقال كبيرهم إنه ماركسي وما هو بماركسي. وإليكم الدعاء عله يفيد في شرح ما أريد: اللهم نمِّ فينا ملكة النقد الذاتي وارفعنا إلى مستوى النفس اللوامة. اللهم ابعد عنا روح التقليد وازرع فينا روح الابتكار. اللهم ارحمنا من نار التعصب وألهمنا روح التسامح. اللهم حررنا من ربقة الجمود والتحنط العقلي وعلمنا ترقية عقولنا وإحكام تفكيرنا وأن لا نخاف من العلم. اللهم علمنا النظافة وروح الجمال ودقة المواعيد وإتقان العمل والذوق الرفيع في قيادة السيارات. اللهم علمنا أن لا نلقي على الأرض العلب الفارغة وأكياس النايلون (البلاستيك)، وأن نحافظ على بيئتنا نظيفة من التلوث بهجة للناظرين. اللهم علمنا الأناقة في كل عمل وحسن الأداء والألفاظ الكريمة والتعامل الحسن مع كل عباد الله وعدم أكل الديون. اللهم حبب إلينا الحوار والبعد عن الصدام، وعلمنا فن الإصغاء للآخرين، والصبر على مخالفينا في الأفكار. اللهم لا تجعلنا ممن يسرع في التكفير، ويتورط في إلقاء أحكام الزندقة والهرطقة على الناس، وحبب إلينا احترام اختلاف التعددية. اللهم حبب إلينا زراعة الورد والعناية بالشجر وكراهية الغبار والوسخ والقذارة والفوضى والتسيب الوظيفي واحتقار الآخرين. اللهم علمنا احترام الوقت والثقة بالإنسان والرحمة بالناس وتقدير المرأة والشغف بالعالم وعشق الكتاب. اللهم ازرع فينا الروح السلامية وأبعد عنا روح العنف وعقلية الانقلابات العسكرية والاغتيالات الفردية وما قرب إليها من قول وعمل. اللهم امنحنا قدرة ضبط النفس عند شدة الانفعال ونار الغضب وكسرة الحزن وانهيار الخوف وضباب الشهوة. آمين.