بانتهاء شهر رمضان المبارك ينتهي معه واحد من أهم تقاليد مناقشة الكثير من القضايا التي يمكن من خلالها استشفاف العديد من الآراء والتوجهات العامة، حيث تعتبر المجالس الرمضانية تقليداً قديماً في دول مجلس التعاون الخليجي لا يزال يحافظ على طابعه الشعبي، إذ يختفي الكثير من الحواجز والرسميات، ويلتقي الجميع في أجواء من التسامح والاستماع لمختلف الآراء. وقد حظيت القضايا الاقتصادية في هذا العام بالكثير من الاهتمام في هذه المجالس وذلك لاعتبارات عديدة يأتي في مقدمتها الأزمة المالية العالمية، والتدهور المستمر للبورصات الخليجية وغلاء الأسعار، وذلك بالإضافة إلى مواضيع أخرى تؤرق المجتمعات الخليجية، كالتركيبة السكانية والبطالة ومستقبل الطاقة. وفي هذا السياق اكتست بعض المجالس أهمية خاصة وذلك بسبب قربها من متخذي القرار من جهة، وبسبب أهمية المواضيع التي طرحت فيها من جهة أخرى، فالاجتماعات المتوالية التي استضافها صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، مع مختلف شرائح المجتمع، وبالأخص مع رجال الأعمال وممثلي القطاع المالي والمصرفي، كانت بمثابة منتدى اقتصادي جمع فعاليات مجتمع الأعمال المعني بتنشيط الأوضاع الاقتصادية، والمساهم في معالجة تداعيات الأزمة المالية العالمية. وفي هذا الجانب تأتي الندوات الدورية التي عقدت بمجلس الفريق أول سمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة لتشكل إضافة اجتماعية مهمة لمعالجة العديد من القضايا التي تهم المجتمع، وبالأخص تلك المتعلقة بالاهتمام بالجوانب التنموية والتسامح والوسطية وأهمية ذلك في استقرار المجتمعات الخليجية والعربية والإسلامية وتنميتها وتشجيع الأجيال الجديدة للمساهمة في تنمية مجتمعاتها وتقدمها. أما مجلس معالي الشيخ نهيان بن مبارك آل نهيان وزير التعليم العالي، ومجلس الفريق ضاحي خلفان قائد عام شرطة دبي، فيمثلان تنوعاً جميلاً، سواء من ناحية تنوع وتعدد المواضيع التي يتم تناولها أو من حيث تنوع الحضور الذي يشمل مختلف أطياف المجتمع من مواطنين ومقيمين، حيث تحتل القضايا الاقتصادية والمجتمعية أولوية في لقاءات هذه المجالس العريقة والصريحة والشفافة في أطروحاتها. وعلى هذا النمط توجد مجالس وديوانيات مماثلة في بقية دول مجلس التعاون، وهي بمثابة تقاليد ضاربة في عمق التاريخ وتضم مختلف الفئات الاجتماعية، حيث تعتبر جزءاً من مكونات المجتمعات الخليجية التي يتم من خلالها تقبل الرأي والرأي الآخر بروح من التسامح الذي يميز هذا الشهر الكريم. ولذلك فإن بعض الآراء والمقترحات التي طرحت في هذه المنتديات، بما فيها بعض القضايا الاقتصادية والمعيشية، ليس من المستغرب أن تجد طريقها للتنفيذ، مما ينعكس إيجابا على العديد من القضايا التي تهم المجتمع وتعبر عن طموحاته المستقبلية. المؤسف حقاً أن أعداد هذه المجالس في تناقص بسبب التغيرات التي طرأت على بنية المجتمعات الخليجية، فهناك بعض المجالس التي تلاشت مع انتقال أصحابها إلى جوار ربهم، وذلك على رغم أهميتها، كمجلس المرحوم سلطان بن علي العويس ومجلس المرحوم ناصر بن راشد لوتاه اللذين كانا ملتقى لرجال الأعمال وسكان الدولة بشكل عام. لقد أبدت العديد من الجاليات الأجنبية المقيمة بالخليج إعجابها بمثل هذه المجالس الرمضانية التي تحرص على حضورها، علماً بان بعض أفراد هذه الجاليات لا يتقن اللغة العربية، إلا أن مجرد حضوره يخلق لديه شعوراً من التواصل الإنساني المتسامح. إن استيعاب هذه الجوانب المجتمعية والإنسانية والمحافظة عليها، هو بمثابة مكسب للمجتمعات الخليجية، حيث تفتحت أعيننا ونحن صغار على وجود هذه المجالس وتعلمنا منها الكثير، ونُقل عن طريقها إلينا العديد من العادات والتقاليد الجميلة، وبالأخص تلك الخاصة بالتعاون والتكاتف بين أفراد الأسرة والمجتمع.