يخطئ كثيرون باعتقادهم أن السرطان مرض واحد، إذ في الحقيقة تشكل الأمراض السرطانية حزمة متنوعة من الأمراض المختلفة، يزيد عددها عن المئتين، وتختلف في الأسباب، والأعراض والعلامات، وأيضاً في المسار النهائي للمرض. وفي ظل واقع كون الأمراض السرطانية تتسبب في حوالي ثمانية ملايين وفاة سنويّاً، أو 13 بالمئة من مجمل الوفيات السنوية بين أفراد الجنس البشري، اعتمد الأطباء على استراتيجية مبنية على الكشف المبكر عن الأمراض السرطانية، وهي الاستراتيجية التي تزيد من فرص الشفاء ومن احتمالات النجاة من المرض. ويعتبر تمييز الأعراض والعلامات المرتبطة بالأنواع المختلفة للأمراض السرطانية، أحد أهم مكونات استراتيجية الكشف المبكر. ولكن في ظل التعدد الكبير للأمراض السرطانية، والتنوع الهائل في الأعراض والعلامات التي تنتج عنها، ما هي أهم وأخطر الأعراض والعلامات التي يجب أن تثير الشكوك، وتدق جرس الإنذار، وتفرض المسارعة بتحويل المريض إلى الإخصائي أو الاستشاري، لإجراء المزيد من الفحوص والتحاليل؟ هذا السؤال سعى فريق من علماء جامعة "كيل" بوسط إنجلترا للعثور على إجابة له، من خلال تحليل نتائج خمس وعشرين دراسة سابقة، تتعرض جميعها لأكثر الأعراض والعلامات شيوعاً في الأمراض السرطانية المختلفة، وبالتحديد تلك التي يرتبط وجودها باحتمال الإصابة بالسرطان بنسبة خمسة في المئة، أو واحد من كل عشرين شخصاً. أي أن وجود هذه العلامات والأعراض لا يعني بالضرورة إصابة الشخص بالسرطان، وإن كان من بين كل عشرين شخصاً تظهر عليهم هذه الأعراض والعلامات، يكتشف لاحقاً أن واحداً -أو أكثر- مصاب بالسرطان، وهو ما يمكن أن نطلق عليه مصطلح (النسبة الحرجة). وتعتبر الأعراض والعلامات الثماني التالية هي أكثر الأعراض والعلامات ارتباطاً بالأمراض السرطانية: 1- الأنيميا أو فقر الدم. 2- وجود دم في البول. 3- السعال المصاحب بدم. 4- صعوبة البلع. 5- وجود كتلة أو ورم غير طبيعي في الثدي. 6- نزيف من المهبل بعد تخطي سن اليأس. 7- فحوصات بروستاتا غير طبيعية. 8- نزيف من الشرج. ولكن إذا ما كان الشخص أقل من 55 عاماً، فهناك علامتان فقط، يرتبط وجودهما ببلوغ النسبة الحرجة، وهما النتائج غير الطبيعية للفحص الشرجي للبروستاتا، والذي يتم بواسطة الطبيب، أو وجود كتلة غير طبيعية في الثدي بالنسبة للنساء. أما إذا ما كان الشخص -وبالتحديد الرجال- فوق سن الخامسة والخمسين، فتعتبر الشكوى من صعوبة البلع، أحد الأعراض التي تبلغ بالشك إلى مستوى النسبة الحرجة في احتمال الإصابة بسرطان المريء. وبين من هم فوق سن الستين من الجنسين فلابد أن يشك الطبيب في الإصابة بالسرطان، في حالة ظهور دم في البول. وكما ذكرنا سابقاً، لا يعني ظهور أي من العلامات والأعراض السابقة أن الشخص مصاب بالسرطان، بل في الحقيقة يكون الشخص مصاباً بالسرطان في خمسة في المئة فقط من تلك الحالات، وفي خمسة وتسعين في المئة منها يكون السبب مرضاً آخر، غير خطير في الغالب. فعلى سبيل المثال، نجد أن نقص الحديد والفيتامينات في الغذاء يعتبر من أهم الأسباب خلف الإصابة بفقر الدم، بينما تشكل البواسير السبب الرئيسي خلف غالبية حالات النزيف من الشرج، ويعتبر تضخم البروستاتا الحميد من أهم الأسباب خلف فحوصات البروستاتا غير الطبيعية. ولكن بما أن ظهور العلامات والأعراض يعني أن المرض قد وصل إلى مرحلة متقدمة نسبيّاً، تعتبر استراتيجية الكشف المبكر من خلال الأعراض والعلامات محدودة في فعاليتها إلى حد ما في تجنب المضاعفات والوفاة المبكرة. ولذا، شهدت السنوات الأخيرة جهوداً حثيثة نحو التشخيص المبكر جداً، أي قبل أن تظهر أعراض وعلامات المرض على الجسم، وربما حتى التنبؤ المستقبلي باحتمالات الإصابة في مراحل لاحقة من الحياة. ففي حالة الأمراض السرطانية مثلا، يمكن بدراسة التركيبة الوراثية للشخص من خلال الفحوص الجينية، مع تقييم العوامل البيئية الضارة التي يتعرض لها، تقييم احتمالات إصابته في المستقبل. وعلى رغم أن هذا المجال لا زال في بدايته، وبعيد إلى حد ما عن منح إجابات قاطعة تظهر ما إذا كان الشخص سيصاب في المستقبل بمرض ما أو لا، إلا أنه ذو فائدة ملحوظة في اختيار الأشخاص، وتحديد نوعية الاختبارات الطبية المسحية الضرورية لهم. فمثلا شخص مدخن من عائلة أصيب أحد أفرادها بسرطان الرئة، يمكن أن يخضع حسب هذا المفهوم لمسح طبي سنوي، من خلال أشعة مقطعية على الرئة. وهذا الأسلوب وإن كان لن يمكننا من تحديد ما إذا كان الشخص سيصاب مستقبلا بسرطان الرئة أم لا، إلا أنه سيمنحنا فرصة التشخيص المبكر جدّاً للمرض إذا ما حدث، وحتى قبل أن تظهر أعراضه وعلاماته، وهو ما يزيد بقدر ملحوظ من احتمالات الشفاء والنجاة. ومثل تلك الآمال والأحلام تؤكدها الدراسات العلمية والتقديرات الصحية في دول العالم المختلفة، التي أظهرت أن الفحوص الطبية المسحية يمكنها أن تخفض من الوفيات الناتجة عن الأمراض السرطانية بنسبة قد تصل إلى 35 في المئة. ولكن لا زالت هذه الفحوص الطبية المسحية تواجه هي الأخرى مشكلات علمية وفنية، تعيقها عن أن تصبح من الممارسات الطبية الاعتيادية، وتمنعها من أن تكون أكثر فاعلية في اكتشاف الأمراض السرطانية في مراحلها المبكرة.