بات مألوفاً مع بداية كل عام دراسيّ جديد أن تنشر الصحف المحلية شكاوى العديد من الأسر حول تجاوزات بعض المدارس الخاصة، سواء في ما يتعلّق بقيامها بزيادة الرسوم الدراسية بشكل مبالغ فيه ودون الرجوع إلى وزارة التربية والتعليم في هذا الشأن، أو في ما يتعلّق بفرض رسوم على أنشطة نوعية لا توفّرها في الأساس. أحدث قائمة الشكاوى تشير إلى مبالغة بعض المدارس في أسعار الكتب التي تصل إليها من الوزارة بالمجان، وتبيعها بأسعار تتراوح بين 40 و50 درهماً، في حين لا يزيد سعرها على تسعة دراهم. وحسناً فعلت الوزارة حينما طالبت آباء الطلاب بالاطّلاع على أسعار الكتب المدرسية التي تدخلها بعض المدارس الخاصة التي تطبّق منهاج الوزارة، سواء جزئياً أو كلياً، منعاً للاستغلال التجاري من قبل إدارات بعض المدارس. الظاهرة اللافتة للانتباه هنا أن تجاوزات بعض المدارس الخاصة لم تعد تتوقّف عند هذا الحدّ الذي يتعلق بالممارسات الربحية، وإنما أصبحت تقوم ببعض الممارسات التي تضرّ بجوهر العملية التعليمية ومضمونها، حيث تلجأ بعض المدارس إلى الاستعانة بمعلمين يفتقرون إلى الحدّ الأدنى من التأهيل اللازم للقيام بمهمة التدريس. هذا التصاعد الملحوظ في قائمة التجاوزات يكشف عن مؤشر مهمّ وخطر، وهو الجرأة التي أصبحت تسيطر على سلوكيّات هذه المدارس في تجاوزها النظم والقوانين، وتلاعبها باللوائح الحاكمة للعمليّة التعليمية في الدولة. هذه التجاوزات كان لها أثرها في تراجع الثقة بالتعليم الخاص، فأحدث نتائج استطلاعات الرأي التي تم إجراؤها هذا العام حول هذا الموضوع تشير إلى أن 78 في المئة من المواطنين والمقيمين العرب يرون أن المدارس الخاصّة تعطي الأولوية للأهداف التجارية، وزيادة الأرباح على حساب التعليم، في مقابل 22 في المئة لا يرون ذلك. وإذا ما تم الأخذ في الاعتبار أن نسبة الطلاب المواطنين في المدارس الخاصة تشكّل 75 في المئة من عدد الطلاب الإجمالي فيها، فإن هذا يتطلّب وقفة حازمة من الوزارة لتصحيح مسار هذه المدارس، كي تقوم برسالتها المهمّة في الارتقاء بالعملية التعليمية في الدولة، وهذه الوقفة تتطلّب معالجة الثغرات التي تنفذ منها هذه المدارس لتعظيم مكاسبها، لأن التساهل في التعامل مع التجاوزات التي ترتكبها يشجّعها على الانحراف عن مضمون العملية التعليمية، والذهاب بعيداً عن رسالتها التربوية لمصلحة أغراض تجاريّة بحتة. إذا كانت المدارس الخاصة تستقطب النسبة الكبرى من الطلاب على مستوى الدولة، فمن الضروريّ العمل على إعادة الثقة إلى هذه المدارس لتقوم بدورها المأمول في الارتقاء بمضمون العملية التعليمية وأهدافها في الدّولة، وأن تكون قادرة على تنفيذ الاستراتيجيّة الجديدة لوزارة التربية والتعليم (2010-2020) التي أعلِنت مؤخراً، وتستهدف إعداد الطلاب لبيئة العمل المستقبليّة بصفتهم الثروة الحقيقيّة للوطن في حاضره ومستقبله. لقد سمحت الدولة للقطاع الخاص بالاستثمار في قطاع التعليم، ووفّرت له كل الفرص والتسهيلات التي تمكنه من القيام بدوره على أكمل وجه، بل إنها أعلنت هذا العام خطّة جديدة لهيكلة التعليم الخاص، وشكلت وزارة التربية والتعليم لجنة تُعنى بشؤون التعليم الخاص على مستوى الدولة من أجل مراجعة كلّ ما يتعلق بهذا التعليم ومعالجة مشكلاته، والمأمول أن تتجاوب مؤسسات التعليم الخاص المختلفة، وتحديداً المدارس الخاصة، مع هذه الجهود حتى تستعيد ثقتها بصفتها شريكاً رئيسيّاً في العملية التعليمية. عن نشرة "أخبار الساعة" الصادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية