تخزين بقايا النباتات...لمواجهة الانبعاثات
في نيو هافن بولاية فرجينيا الغربية، تعمد محطة "ذي ماونتنير" لتوليد الطاقة من الفحم الحجري، إلى استخدام وسيلة كيميائية معقدة للغاية من أجل التحكم في نسبة 1.5 من ثاني أكسيد الكربون، الذي تفرزه المحطة في الغلاف الجوي. وخلال هذه العملية، يتم تبريد الغاز إلى درجة السيولة، ثم يضخ السائل على بعد 2375 متراً في باطن الأرض، ليبقى هناك إلى الأبد. والهدف من وراء هذه العملية، هو الحد من نسبة انبعاثات غاز ثاني أكسيد الكربون من الفحم الحجري الذي تحرقه المحطة.
ولكن مما لا ريب فيه أن المحطة المذكورة تحقق هدفها هذا بأصعب الطرق الممكنة وأكثرها تكلفة. فاستخلاص نسبة 1.5 من غاز ثاني أكسيد الكربون المنبعث من المحطة -وهي نسبة ضئيلة جداً- يكلف استثمار 100 مليون دولار. وبعد كل هذه التكلفة والصعوبات، تظل الشكوك قائمة حول ما إذا كان الغاز المسال الذي يتم ضخه في باطن الأرض، سيبقى هناك بالفعل أم يتسرب منها.
ولحسن الحظ فإن ثمة طريقة أسهل وأقل تكلفة للتخلص من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون الزائدة في الغلاف الجوي. كما تتسم هذه الطريقة بفعاليتها وصداقتها للبيئة، وتعتمد هذه الطريقة على نوعين من التكنولوجيا ظلت المجتمعات البشرية تستخدمهما لما يزيد على ثمانية آلاف سنة على الأقل: الزراعة وأكوام النفايات.
وقبل أن نستطرد في الشرح، علينا الإلمام ببعض الأساسيات الأولية. فنحن نعلم أن النباتات تمتص غاز ثاني أكسيد الكربون العالق في الغلاف الجوي وتحوله إلى مواد سكرية ومركّبات عضوية أخرى. وبينما يتم حرق نسبة من انبعاثات الغاز بواسطة النباتات، يستخدم بعضها في زيادة وزن النبات نفسه. وفيما لو تناول حيوان ما النبات، فإن بعض الغاز يتم حرقه بواسطة الحيوان الذي تناوله، في حين يستخدم المتبقي منه في زيادة وزن الحيوان أيضاً. وعند موت النبات أو الحيوان تلتهم بقايا النبات أو الحيوان البكتيريا التي تحرق بعض الغاز بينما تستخدم البعض الآخر في توليد المزيد من البكتيريا.
وعندما تتوازن هذه العملية، تتمكن الكائنات الحية من استرداد القدر نفسه من غاز ثاني أكسيد الكربون إلى الغلاف الجوي، الذي تمتصه منه النباتات. كما يلاحظ أن كمية غاز ثاني أكسيد الكربون الناتجة عن هذه العمليات البيولوجية العضوية، تعادل تماماً كمية الغاز المنبعثة من حرق منتجات النفط أو الفحم الحجري.
ولكن أليس منطقياً أن نتساءل: أين هي النباتات، مع وجود هذه الوفرة المذهلة من ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي؟ ويرتبط بهذا السؤال سؤال آخر: لماذا لم تنمُ النباتات بالسرعة والمساحات اللازمة لامتصاص الفائض من غاز الكربون؟ وربما تكون الإجابة عن كلا السؤالين هي أن من المحتمل أن تكون لتحسن المحاصيل الزراعية في القرن العشرين صلة ما بتزايد تركيز انبعاثات غاز ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي. ومع ذلك فإن النباتات إما تؤكل أو تموت في نهاية الأمر، ما يعني عودة الكربون الذي كانت تختزنه إلى الغلاف الجوي تارة أخرى. وفي كل الأحوال، فإن من الواجب منع بقايا النباتات تلك من التعفن. ولذلك يدرك جميع الفلاحين أنه يجب تقليب أكوام البقايا التي تستخدم للتسميد بانتظام. فمن دون تعريض البقايا بشكل مستمر للأكسجين يصعب على البكتيريا تحليل بقايا النباتات هذه. وبذلك نصل إلى استنتاجنا الرئيسي: أنه بالإمكان تطبيق المبدأ نفسه في حبس غاز ثاني أكسيد الكربون. وكل ما هو مطلوب في تطبيق هذه التكنولوجيا هو إعلاء أكوام بقايا النباتات بما يكفي.وبذلك نضمن بقاء غاز ثاني أكسيد الكربون تحتها إلى الأبد. وعلينا ملاحظة أن النفط والفحم الحجري قد تشكلا بهذه الوسيلة نفسها في المقام الأول. ثم أنها ليست تكنولوجيا مكلفة بأية حال. فلا حاجة لنقل أكوام فضلات النباتات إلى مواقع بعيدة، أو ضخها في باطن الأرض مثلما تفعل محطة الطاقة المذكورة في صدر هذا المقال مع غاز ثاني أكسيد الكربون المسال. بل يمكن أن تكوّم فضلات النباتات هذه حيثما تنمو. وهي ليست بحاجة حتى لأن تغطى بالتراب أو الرمل.
ويقيناً فإن الهدف الأكثر بداهة لهذه الطريقة هو الفضلات الزراعية. وقد أشارت إحصاءات عام 2006 إلى أن انبعاثات العالم من ثاني أكسيد الكربون قد قدرت بنحو 28 مليار طن مترى، تتحمل الولايات المتحدة وحدها المسؤولية عن انبعاث 5.8 مليار طن متري منها.
وفي عام 2009 قدرت إنتاجية الولايات المتحدة من الذرة الشامية والقمح وفول الصويا بنحو 487 مليون طن مترى. ويشير ذلك الرقم إلى قياس الجزء المستغل من النباتات المذكورة. وعليه من المنطقي أن يقدر المرء وجود كميات كبيرة غير مستغلة من سيقان وأوراق النباتات الزراعية نفسها. وفيما لو تم تخزين الجزء غير المستغل منها، فإن في وسعه أن يعوض عن ربع الأثر الكربوني الذي تتركه انبعاثات الولايات المتحدة في الغلاف الجوي. وعندها يكون في مقدور محطة "ذي ماونتنير" لتوليد الطاقة تحقيق هدف حبس نسبة 1.5 في المئة من انبعاثاتها الكربونية بواسطة أكوام الفضلات النباتية في مساحة زراعية تقدر بنحو 12 ألف فدان فحسب، وبتكلفة جزئية لا تضاهى بارتفاع تكلفة التكنولوجيا المتقدمة التي تستخدمها لتحقيق الهدف نفسه.
هيو برايس
كاتب أميركي متخصص في الشؤون العلمية
ينشر بترتيب خاص مع خدمة "واشنطن بوست"