الأجنبي...في أرض الجرمان!
أذكر تماما تلك الجملة التي قرأتها في صحيفة ألمانية حين كنت طالباً في الطب: أيها الأجنبي نحب أن نراك في بلدك وليس في بلدنا؟ وكان يخيفني تعبير أيها الأجنبي غادر أرضنا وإلا..! ومن عَرفَ الألمان عَرفَهم، ومن جهِلهم فلم يعرفهم فوت على نفسه الكثير. وأعترف أن رحلتي بينهم كانت مثل شرب الدواء، والخلاصة التي خلصت إليها: اشتر من الألماني سيارة جيدة فهي لن تخذلك، تعامل مع الألماني بالدرهم والدينار، لن يغشك... لكن إياك أن تجاوره في ألمانيا أو تعيش معه هناك.
مازلت أذكر صباح ذلك اليوم بعد عمل سنة كاملة وقد وصلت متأخرا بضع دقائق. اقترب مني كارل توما، الشيف، ثم وضع وجهه في وجهي وصرخ: هل شبعت نوماً؟
وأذكر زوجتي رحمها الله وهي تغادر سوبر ماركت، والألم في عينيها، قلت لها: ما الخبر؟ قالت: خرجت من مكان دخول الناس ولم انتبه، فهجم عليّ الألماني بقارص الكلام! قلت لها: دليني عليه فقط. قالت: أنا أخطأت، وهو كان بإمكانه أن يكون أكثر لطفاً وإنسانية!
وأذكر أيضاً كيف أنني كنت واقفاً في سيارتي في مكان، والمحرك يعمل، فانتهرني أحدهم بخشونة: أطفئ المحرك! قلت له: عفواً! وأطفأت. قال: كان يجب أن تفعل ذلك!
وأذكر طفلتي الصغيرة كيف كان يهجم عليها الجيران الألمان، من زوج غير متزوجين يعيشون بدون أولاد ويكرهون الأولاد، وهم كثر هناك. كانوا يروعونها في كل مرة!
إنها قصص مغموسة بالألم والحزن والذكريات الكئيبة. ويؤسفني أن أروي عنهم ذلك، لكنها الحقيقة لكل من عاش بين ظهرانيهم.
صحيح أن كارل توما لم يسكت خلال عام كامل عن تأخر دقائق لشاب متحمس في العمل، كان يمكن أن يكون لطيفاً، وعندئذ سيحصد نتاجاً أكبر واندفاعاً أشد في العمل أشد، لكنهم الألمان... ولا جديد!
هذه العينات البسيطة وآلاف من أمثالها تكررت يومياً معي وأفراد عائلتي، وهي تختصر رحلتي بين شعب يشعرك في كل مكان بأنك غريب ولو عمرت بينه عمر نوح وصبرت صبر أيوب.
وفي عام 1983 قررت الرحيل من ألمانيا بعد رحلة دامت تسع سنوات. واليوم أعرف أنه كان قراراً صائباً، بعد أن قرأت الجدل المخيف حول كتاب "تيلو سارازين"، وعنوانه "ألمانيا تلغي نفسها"، وكنت أتمنى أن أرجع لبلدي سوريا فأفتح عيادة من الطراز الألماني.
وتمنيت من كندا التي منحتني الجنسية أنها منحتني فرصة العمل، لكنها لم تفعل ذلك، وإن منحتنا الأمان وراحة البال والحرية وجمال الطبيعة.
إن سارازين الألماني يريد من الأتراك أن يفقدوا كل تراثهم، كل لغتهم، كل إرثهم، كل ثقافتهم... والدليل على الألمنة تجرع نصف طن من البيرة يومياً، والرقص المختلط المفضي للخيانات الزوجية، وأكل لحم الخنزير...
في عدد "دير شبيجل" الألمانية (352010) يقرر إيريش فولات خطورة الوضع ويقول إن جمهورية سارازين لم توجد بعد في ألمانيا، أما الطريق إليها فقد أصبح معبداً!