بنزين لذوي الدخل المحدود
عدد الذين يحملون رخص قيادة السيارات في الإمارات يصل إلى ثلاثة ملايين سائق... وإذا عرفنا أن نسبة المواطنين من مجموع السكان حسب الأرقام الرسمية هو 20 بالمائة، فإن عدد السائقين التقريبي هو 600 ألف سائق إماراتي. وإذا استبعدنا الأطفال وكبار السن وبعض النساء من هذا الرقم فسنقول إن ربع هؤلاء يقودون السيارات - 150 ألفا- وإذا اعتبرنا أن دخل ثلاثة أرباع هؤلاء جيد جداً والربع هم من ذوي الدخل المحدود، فإن الرقم الذي يمكن أن نتوقعه لعدد السائقين الإماراتيين محدودي الدخل سيكون 40 ألف سائق إماراتي. إذا فلنحفظ هذا الرقم الأخير لأننا سنعود إليه في آخر المقال.
وتبدو قضية رفع أسعار البنزين مهمة لدرجة أنه لا يمكن القفز عليها أو تجاهلها لأسباب كثيرة أهمها أن ارتفاع أسعار البترول من الأمور التي لم يتعود عليها المواطن الإماراتي، كما أنه لم يتوقعها. أما الأمر الثاني، فهو أن رفع أسعار البنزين يؤثر على جميع نواحي الحياة، والأمر الآخر وليس الأخير، فهو أن هناك فئة من المواطنين لا تستطيع فعلاً تحمل ارتفاع الأسعار بالصورة التي نراها اليوم. وبما أن المشكلة حقيقية، والمعاناة ستكون مباشرة على حياة المواطن، فإن حلاً جذريا يجب البحث عنه في هذه القضية.
إذا كانت شركات توزيع البنزين تخسر بالفعل وتصل خسائرها إلى أكثر من مائة مليون شهريا تقريبا وإذا كانت الشركات لا تريد أن تتحمل هذه الخسائر الكبيرة - ومعها الحق في ذلك- فلا اعتقد أن من الحكمة أن نحمل المواطن هذه الخسائر لذا فإننا بحاجة إلى فكرة خلاقة تحد من خسائر شركات البترول وفي نفس الوقت لا يتحمل المواطن الفرق في الأسعار لأن الواقع يقول: ليس جميع المواطنين قادرين على تحمل التكلفة الجديدة لأسعار البترول..
صحيح إن السنوات الأخيرة شهدت زيادة في رواتب الموظفين في الإمارات بشكل عام، وهذا أحد الأسباب التي تشجع مؤيدي فكرة رفع سعر البنزين للمضي قدماً في خططتهم، ولكن في هذه النقطة بالتحديد يجب عدم إغفال فئات مختلفة في المجتمع، فمستخدمو السيارات جزء منهم متقاعدون، ورواتبهم ليست كبيرة، وهناك ربات بيوت هن المعيلات لأسرهن، وهناك بعض الموظفين رواتبهم أصلًا منخفضة، سواء في أبوظبي أو دبي أو الإمارات الأخرى، لذا فمن المفيد النظر إلى جميع فئات المجتمع عند اتخاذ هذا القرار المصيري مع الأخذ بعين الاعتبار في نفس الوقت الزيادات المتلاحقة التي ستشهدها جميع السلع الأخرى بسبب هذا الارتفاع وما سيؤول إليه حال المواطن!
إذا نحن أمام معادلة يجب تحقيقها، وهي عدم التسبب في خسارة شركات توزيع البنزين وفي نفس الوقت عدم التأثير على حياة المواطن البسيط. وهناك فكرة يمكن أن تحقق هذه المعادلة منها على سبيل المثال دعم أسعار البنزين لذوي الدخل المحدود فقط، وذلك من خلال صرف مبلغ شهري - 500 درهم على سبيل المثال- تستخدم فقط لتعبئة السيارة بالبنزين، ويمكن أن يتم ذلك من خلال إصدار بطاقة تشبه بطاقة "رحال" التي تعتمدها شركة أدنوك للتوزيع "حتى لا يسيء البعض استخدام هذا المبلغ". وفي هذه الحالة لا تخسر الشركات وترفع السعر بالقدر الذي يناسبها ويحقق لها نسبة معقولة من الربح ولا يشقى المواطن البسيط، ويحافظ على مستوى معيشته دون أن يفكر في المصاريف الزائدة للبنزين.
وبالعودة إلى الرقم في بداية المقالة، وإذا علمنا أن حجم الدعم الذي تم تقديمه لشركات التوزيع الوطنية لأسعار البنزين المباع لديها خلال الأعوام الخمسة الماضية ناهز 7 مليارات درهم، بما يعادل 1.4 مليار درهم سنويا... وعدد السائقين الإماراتيين ذوي الدخل المحدود وهو 40 ألفا تقريبا. فإن ذلك يعني أن دعم هذه الفئة بمبلغ شهري لا يتجاوز 500 درهم إماراتي لن يكلف الدولة وشركات توزيع البنزين 20 مليون درهم شهريا أي 240 مليونا سنويا... هذا بالطبع لو كان عدد السائقين محدودي الدخل 40 ألفا، وأعتقد أنهم أقل من ذلك، وهذا يعني أن خسائر الشركات ستصل إلى أقل من ربع الرقم المعلن حالياً. وإذا ما اختارت الحكومة هذا الحل أو غيره، فيجب أن تساهم شركات توزيع البنزين بجزء من أرباحها لدعم مثل هذه الفكرة التي تعتبر خدمة لأبناء البلد وتساعد على التلاحم المجتمعي.
المواطن الإماراتي يقارن نفسه بالمواطن الخليجي، وله الحق في ذلك، فيجب أن لا يكون سعر البنزين في بلد نفطي ورابع منتج للنفط في العالم بهذا الارتفاع، ولكنه عندما يقارن نفسه بالمواطن الخليجي في السعودية أو البحرين أو عمان أو غيرها من دول الخليج، فعليه أن لا ينسى فرق الرواتب بين الموظف في الإمارات –سواء كان مواطنا أو وافدا- وبين رواتب الموظفين في دول الخليج الأخرى... أما الفئة التي لم تشملها الزيادات في الرواتب فهؤلاء من نقول ونؤكد بضرورة مراعاة أوضاعهم ودعم البنزين لهم من خلال هذه الفكرة أو غيرها من الأفكار العملية.
أخيرا يجب أن لا نغفل أن هناك إيجابيات غير مباشرة لزيادة أسعار البنزين، فقد تساعد على تقليل استخدام السيارات، وبالتالي المحافظة على البيئة. وتقلل من الازدحام في الطرقات، وتقلل من عدد السيارات بشكل عام واعتقد أن كل ذلك مفيد للبلد والمواطن.