وصل الاحتلال الرسمي للعراق إلى نهاية مخزية وشائنة يوم أول أمس الاثنين بمراسم لتسليم السلطة أقيمت خلسة قبل يومين من موعدها المقرر وذلك بهدف إحباط هجمات المتمردين، وكذلك بخروج مجوقل سريع للحاكم المدني الأعلى بول بريمر. وفي الواقع أن الاحتلال سوف يتواصل تحت اسم آخر، وهو على الأرجح سيبقى هناك إلى أن تطلب منا الرحيل جماهير عراقية معادية لنا. غير أن هناك سؤالاً يستحق الطرح حول السبب الذي جعل الأمور تسير على هذا النحو الخطأ.
ربما كانت المغامرة في العراق محكوماً عليها بالإخفاق منذ البداية، لكننا لن نعرف أبداً ذلك على وجه اليقين لأن إدارة الرئيس جورج دبليو بوش أفسدت الاحتلال وأحالته إلى فوضى شديدة كهذه. وسينظر المؤرخون في المستقبل إلى هذا الاحتلال باعتباره حالة نموذجية تستحق الدراسة لمعرفة كيفية عدم إدارة بلد ما.
وإلى حد ما، تتولّى سردَ الحكاية أرقام مؤشر لا يُقدّر بثمن ومعني بموضوع العراق في دراسات معهد "بروكينجز". فالأرقام الخاصة بالكهرباء وإنتاج النفط تُظهر نموذجاً مؤلفاً من نوبات التعافي المتقطّع وحالات النكوص المتكررة؛ كما تُبّين الأرقام المعنية بهجمات المتمردين وجود وضع أمني سار على نحو تصاعدي إلى الأسوأ وليس إلى الأفضل؛ أمّا استطلاعات الرأي العام فإنها تكشف عن وجود احتلال بدّد الحماسة التي كانت موجودة في بادئ الأمر. لكن ما لا تصفه الأرقام هو ذلك المزيج السام المؤلف من الهوس الأيديولوجي والمحسوبيات ومحاباة الأصدقاء، وهو المزيج الذي يكمن وراء الأداء السيء المخيب للآمال.
فالتمرد في العراق رسّخ جذوره أثناء الأشهر الأولى من عمر الاحتلال، أي عندما بدا أن سلطة الائتلاف المؤقتة منفصلة على نحو مستغرب عن الفوضى الحاصلة في فترة ما بعد الحرب. لكن ما هو الموضوع الذي انصب عليه تركيز بول بريمر الثاني رئيس سلطة الائتلاف المؤقتة؟
على ذمة أحد مراسلي صحيفة "واشنطن بوست" الذي سافر مع بريمر في إحدى المرات على متن الطائرة نفسها في شهر يونيو من العام الماضي، فإن "بريمر ناقش الحاجة إلى خصخصة المصانع التي تديرها الحكومة، وبحماسة شديدة وصلت إلى حد أن صوته قطع سيل الضوضاء الشديدة الآتية من عنبر الشحن" في الطائرة. وقد تم في نهاية المطاف إيقاف خطط الخصخصة. لكن السيد بريمر عدّد، لدى اتخاذه الاستعدادات لمغادرة العراق، تقليص المعدلات الضريبية وتقليص التعرفة الجمركية وتخفيف قيود القوانين المعنية بالاستثمارات الأجنبية، واعتبر ذلك كله من بين إنجازاته الكبرى.
لكن المتمردين يقومون بنسف خطوط أنابيب البترول والغاز ومخافر الشرطة، في حين تتدفق ينابيع مياه المجارير من الشوارع. أمّا التيار الكهربائي فمقطوع في معظم الأوقات، لكننا أعطينا العراق هدية هي اقتصاديات الإنتاج (أي السياسات الاقتصادية التي تعزّز الظروف المواتية لمنتجي البضائع والخدمات).
وإذا بدا في أكثر الأحيان أن المحتلين غافلون عن الواقع، فمن بين أسباب ذلك أن الكثير من الوظائف في سلطة التحالف المؤقتة كانت من نصيب أشخاص يبدو أن مؤهلاتهم كامنة في المقام الأول في ارتباطاتهم الشخصية والسياسية- أشخاصٌ من أمثال سايمون ليدن ابنة مايكل ليدن العضو البارز في تيار المحافظين الجدد والذي قال لأحد المنتديات إن "مستوى الإصابات ثانوي" والسبب هو أننا "شعب مولع بالحرب...ونعشق الحرب".
وعلى رغم ذلك، وبافتراض وجود تركيز بريمر على الاقتصاد، كان من الجائز لكم أن تتوقعوا أن يكون كبير مساعدي بريمر لشؤون تطوير القطاع الخاص خبيراً في شؤون الخصخصة وتحرير الاقتصاد في بلدان مثل روسيا أو الأرجنتين. لكن تلك الوظيفة كانت في بادئ الأمر من نصيب توماس فولي وهو رجل أعمال من ولاية كونيكتيكت وجامع تبرعات جمهوري الانتماء ومن الواضح أنه لا يتمتع بأية خبرة ذات علاقة بتلك الوظيفة. وفي شهر مارس، تولى المنصب مايكل فلايتشر وهو رجل أعمال من نيوجرسي. أجل، إنه شقيق آري فلايتشر المتحدث باسم البيت الأبيض. وقد أخبر مايكل فلايتشر صحيفة شيكاغو تريبيون بأن جزءاً من وظيفته يقتضي تعليم رجال الأعمال العراقيين، وقال إن "النموذج الوحيد الذي يعرفونه هو منهج المحسوبيات ومحاباة الأصدقاء. ونحن نعلّمهم أن هناك نظاماً بديلاً توجد في أصل طبيعته ضوابط وقيود وعملية مراجعة".
ضوابط ومراجعة؟ في يوم الأحد الماضي نشرت جمعية خيرية بريطانية كبرى هي جمعية "كريستيان إيد" تقريراً لاذعاً بعنوان "تغذية الارتياب"، وهو يتمحور حول استخدام عائدات النفط العراقي. ويشير التقرير إلى أن القرار الصادر عن هيئة الأمم المتحدة في شهر مايو 2003، والذي يعطي سلطة التحالف الحق في إنفاق عائدات النفط العراقية، تطلّب إشراف لجنة دولية من شأنها أن تقوم بتعيين مدقق حسابات لضمان أن الأموال يتم إنفاقها لفائدة الشعب العراقي.
لكن الولايات المتحدة أعاقت بالمواربة تنفيذ القرار فلم يبدأ المدقق عمله إلاّ في شهر أبريل من عام 2004. وحتى عندما بدأ المدقق عمله، صار يواجه- على ذمة أحد التقارير ا