الحرب والسلام: تحول العلاقات
يجدد "تشارلز كابتشان"، الزميل بمجلس العلاقات الخارجية والعضو بمجلس الأمن القومي في عهد كلينتون، الأمل في تحسن العلاقات الدولية، من خلال تحليل مقنع للكيفية التي يمكن بها للدول التي كانت متصارعة ذات يوم أن تصبح صديقة، وذلك في كتابه "كيف يتحول الأعداء إلى أصدقاء: مصادر السلام المستقر"، والذي نعرضه هنا. يقول "كابتشان" إن السياسات الدولية دائماً ما تكون محكومة بالخوف من جانب والمنافسة الشديدة من جانب آخر. ففي حقل السياسات الدولية ليست هناك دولة، تستطيع المغامرة بمستقبلها من خلال الثقة الكاملة بدولة أخرى، بل ما يحدث غالباً أنها إذا ما كانت ترغب في السلام مع دولة معينة، فإنها يجب أن تستعد للدخول في حرب معها حتى تقنعها بأفضلية خيار السلام لها.
ومع ذلك فالسائد، في أغلب مناطق العالم، ومنها أوروبا، هو حالة السلام. وتشير كافة الدلائل إلى أن تلك الحالة ستظل قائمة، وأن صراع البلقان يمثل استثناء في هذا الشأن. والمناطق التي يسودها السلام، حسب الكاتب، ليست المناطق التي تغيب فيها الحرب فحسب، بل التي تسود فيها أحوال يصبح مجرد التفكير معها في الحرب شيئاً منعدماً بالأساس.
ويرجع نشوء السلام في بعض المناطق؛ إما إلى انتشار الديمقراطية، أو نمو التجارة. ورغم أن المؤلف يعترف بأهمية هذين العاملين، فهو يرى أنهما ليسا كافيين لجلب السلام إلى تلك المناطق، إذ يتطلب ذلك تدخلا سياسياً في المقام الأول.
ويخصص المؤلف جزءاً معتبراً من كتابه لاستكشاف الشروط التي بموجبها ينشأ السلام المستقر بين خصمين سابقين، أو خصمين محتملين، ويتحول إلى سلام دائم بعد ذلك.
الشرط الأول، والأهم أيضاً، أن يكون هناك إجراء أو خطوة من جانب القوة الأعظم لتفهم مصالح منافستها الأضعف. فهذا التفهم يرسل إلى الدولة الأضعف برسالة لبناء الثقة وضبط النفس وإحلال الحوار محل الصدام.
أما الشرط الثاني فهو الحوار، ويؤدي إلى تقارب المواقف، بحيث ينظر الخصمان السابقان إلى بعضهما من منظور جديد، فيريان نفسيهما على نحو مختلف. ويكون تحقيق التوافق أمراً ميسوراً، عندما يكون لدى كل من الدولتين حكومة مسؤولة، وعندما يكون نظاماهما الاجتماعيان وثقافاتاهما متقاربين.
ومع ذلك يبين المؤلف أن الدول السلطوية قادرة على تحقيق السلام، كما حدث بين البرازيل والأرجنتين في ثمانينيات القرن الماضي، طالما كانت القوة الأكبر، وهي هنا البرازيل، على استعداد لتقديم تنازلات استراتيجية للدولة الأضعف لتدشين عملية السلام.
ويضم الكتاب نماذج لـ"دراسة الحالة"، سعياً لبيان الكيفيات التي يمكن أن يؤدي بها التقارب بين دولتين، كانتا عدوتين في الماضي، إلى خلق مجتمع آمن في كل منهما، بل في بعض الحالات إلى اتحادات فيدرالية. بيد أن المؤلف يؤكد أن مناطق السلام المستقر عادة ما تكون هشة، وأن المكاسب المتحققة فيها قد تتحول إلى النقيض. وعادة ما تكون السياسة هي السبب الجوهري في ذلك. فرغم أن التكامل بين الدول الأوروبية كان مدفوعاً بالاقتصاد وليس بالسياسة، يرى كابتشان أنه حتى إذا ما كان ذلك صحيحاً فالتكامل الاقتصادي لا يمكن أن يحدث إلا إذا وُجد تقارب في التوجهات والرؤى والسياسات، كما حدث مثلا لفرنسا وألمانيا؛ كدولتين أوروبيتين كبيرتين تشكلان القوام الرئيسي للاتحاد الأوروبي. ومع أن هذا الاتحاد الأوروبي يواجه في الوقت الحالي تهديداً لعملته اليورو، فذلك يرجع لأن التكامل الاقتصادي الأوروبي قد سار بخطوات أسرع من التكامل السياسي.
ويقدم المؤلف أمثلة تاريخية، قديمة ومعاصرة، على حالات التقارب بين أعداء سابقين، وتم فيها التغلب على الدوافع الداعية للصراع والحرب، وإنشاء منطقة سلام دائم. من أبرز تلك الحالات حالة بريطانيا والولايات المتحدة، والبرازيل والأرجنتين، والنرويج والسويد. فالحرب في هذه الحالات جميعاً، لم تعد شيئاً قابلا للتفكير فيه بين المتنافسين السابقين، كما تبدو الأوضاع بينهما دائمة ولا يتوقع لها أن تتغير. وهناك دول تظل العلاقة بينها علاقة عداء دائم قد تتطور في أي لحظة إلى حرب. ويورد الكاتب مثالي تركيا واليونان، إسرائيل وسوريا، للدلالة على ذلك. وفي حالات أخرى يعقب الحروب حلف سرعان ما ينهار لأسباب مختلفة، لتعود الحرب مرة أخرى، مثلما حدث في أوروبا بعد الحروب النابوليونية التي استمرت لثلاثة عقود، والحلف الأنجلو- ياباني في بداية القرن العشرين، والذي انهار هو الآخر ليدخل البلدان الحرب مجدداً.
سعيد كامل
-----
الكتاب: كيف يتحول الأعداء إلى أصدقاء... مصادر السلام المستقر
المؤلف: تشارلز إيه كابتشان
الناشر: برينستون يونيفرستي برس
تاريخ النشر: 2010