من غير المعقول أنه كلما شذ سفيه أو رسم معتوه أو نشر تافه أو قرر موتور متطرف حرق المصحف الشريف، أن تقوم القيامة في ديار المسلمين بدون تعقل أو روية أو رصد علمي وعقلاني لمثل هذه التصرفات، وما تجلبه ردود أفعالنا غير المدروسة لمصلحة هؤلاء من شهرة ومال، وتصويرنا كأناس عاطفيين لا نثق بأنفسنا ولا بقناعتنا بديننا وثقافتنا. أسُوق هذه المقدمة بعد ردود الأفعال التي جرت في الكويت على هارب كويتي من العدالة يدعى ياسر حبيب بلندن تخصص في التعرض لزوجة النبي أم المؤمنين السيدة عائشة بنت أبي بكر، رضي الله عنها. فعقدت الندوات وتراشق المتراشقون التصريحات، واحتقنت أجواء البلاد برائحة طائفية نتنة لاتزال روائحها تزكم الأنوف. كما اشتعلت الشوارع العربية غضباً معلناً على قس مغمور موتور قرر حرق المصحف الشريف علناً، ثم تراجع بعد أن تحققت له شهرة عالمية لم يكن يحلم بها. وقبله، ثارت الدنيا على رسومات لرسام دانمركي تافه صور الرسول العظيم، صلى الله عليه وسلم، بما لا يليق، وحاز صيتاً في عالم الرسم والكاريكاتير، لم يكن ليتحقق لولا ردود أفعالنا العاطفية. وقبل عشرين سنة، حقق كاتب مغمور اسمه سلمان رشدي شهرة عالمية بعد أن كتب رواية تافهة لم يكن قراؤها ليتجاوزوا العشرات، لكنهم بلغوا عشرات الملايين بعد أن صدرت فتوى بإهدار دمه لتعرضه للنبي وزوجاته في الرواية. حين سيّر أبرهة الحبشي الجيوش والفيلة لهدم الكعبة، أخذ في طريقه إبل جد الرسول عبدالمطلب بن هاشم، فتوجه إليه مطالباً بإبله وسط استغراب أبرهة الذي سأله عن رأيه في هدم الكعبة، فقال له عبدالمطلب إنه يريد إبله، أما الكعبة فإن لها ربّاً يحميها، وهو ما كان وباقي القصة معروف كما وردت في القرآن الكريم حيث أرسل الله عليهم طيراً أبابيل. نستذكر هذه القصة العظيمة حين حمى الله بيته بالطير، فما بالك بحمايته لكتابه العظيم -القرآن الكريم- وقد تعهد سبحانه بحمايته: "إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ"، وما كان حرق القس الموتور للمصحف الشريف ليضر الدين أو الكتاب المقدس شيئاً، ذلك لأن الله سبحانه قد تعهد بحمايته وحفظه. صحيح أن مثل هذه التصرفات تغضب أي مسلم، بل حتى غير المسلم يرى في حرق الكتاب -أي كتاب- عملاً أحمق وغير مسؤول، ولكن الاختلاف هو حول كيفية التعبير عن هذا الغضب تجاه هذه التصرفات الرعناء. ففي الحديث الشريف أن الشديد ليس بالصرعة، ولكن الشديد من يتمالك نفسه عند الغضب. وهو مبدأ أساسي وعلمي من مبادئ فن إدارة الأزمات، وهو ما ينقصنا في طريقة التعامل مع مثل هذه السلوكيات الشاذة مستقبلاً. علينا أن نضبط النفس، ونتحكم في العواطف، والتعبير عن غضبنا بطريقة ننتصر فيها على من يتعدى على المقدسات الدينية. مهم أن نظهر مطالبة عادلة برفض حرق الكتاب كمبدأ، حيث كان الأولى بمسلمي "برادفورد" الذي أحرقوا كتاب رشدي في مظاهرات غاضبة قبل أكثر من عشرين عاماً، أن يطالبوا بأن يشملهم قانون تجريم التعدي على الأديان كمواطنين بريطانيين، مثلما يحمي ذلك القانون المسيحية واليهودية. وأن نتجاهل السفهاء عملاً بقوله سبحانه وتعالى: "وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَاماً"، وأن نسلك طرقاً حضارية حديثة كفيلة بإحراج الخصم وإظهار إفلاسه. إن الغضب انتصاراً للمعتقد والدين مسألة محمودة، لكن طريقة التعبير عنه قد تضر أصحاب القضية بالردود والأفعال العاطفية، وتجاهل كثير من المرضى والموتورين مسألة مهمة في إجهاض أهدافهم في البحث عن الشهرة والمال فالسفهاء كثر والعقل نعمة.