كلما يرحل مستبد شيوعي، تعقب وفاته خطوات إصلاحية وسياسات معتدلة نوعاً ما. فتلك قاعدة راسخة في العلوم السياسية، يؤكدها الجزء الغالب من التاريخ السياسي للقرن العشرين. ولكن هل تنطبق القاعدة نفسها على كوريا الشمالية؟ أي هل يمكن أن تحدث إصلاحات سياسية في بيونج يانج إذا انتهى عهد زعيمها؟ الإجابة عن أي من السؤالين سوف تحدد النتيجة التي سوف تتمخض عن أحد أطول النزاعات الإقليمية في شبه الجزيرة الكورية. ومن المفيد أن نسترشد بتاريخ النظامين الشيوعيين اللذين حكما في الصين وروسيا السوفييتية. فعلى إثر وفاة ستالين في مارس عام 1953، علا صوت رئيس الوزراء حينها "جورجي مالينكوف" بانتقاد الممارسات الستالينية وانتهج سياسات معادية لها. فعلى سبيل المثال، أبدى "مالينكوف" قلقه على تصاعد حمى سباق التسلح بين بلاده والولايات المتحدة الأميركية، محذراً من أن تؤدي حرب نووية محتملة إلى نهاية الحضارة الإنسانية. كما أعرب "مالينكوف" عن تأييده لتوحيد شقي ألمانيا المنفصلين على أسس غربية. وفي ظل حكومته أرغمت سلطات الشرطة السرية الستالينية بقيادة "لافرينتي بيريا" على الإفراج عن آلاف المعتقلين في معسكرات التعذيب في عام 1953. كما يلاحظ سريان هذا الاتجاه الإصلاحي السوفييتي على جميع بلدان المنظومة الاشتراكية. فقد صعد إلى سدة الحكم قادة أكثر اعتدالاً في كل من المجر وبولندا وتشيكوسلوفاكيا وألمانيا الشرقية. وقد حدثت التحولات نفسها في الصين الشيوعية عقب وفاة "ماو تسي تونج" في عام 1976. وسار الذين خلفوه من القادة أمثال "دينج خياوبنج" و"جيانج زمين"، و"هوجنتاو" في طريق أكثر اعتدالاً وبعداً عن النهج الماوي، سواء في السياسات الداخلية أم الخارجية. ويبدو أن الاتجاه نفسه يسري الآن على كوبا في ظل قيادة راؤول كاسترو، نتيجة للابتعاد التدريجي لشقيقه الزعيم المؤسس للثورة الكوبية فيدل كاسترو عن سدة الحكم. والسؤال الرئيسي: هل يمكن أن يتكرر نمط القائد السوفيتي السابق "مالينكوف" في بيونج يانج؟ صحيح أن صحة الزعيم الكوري الشمالي الستاليني كيم جونج إيل معتلةً، لكنه لا يزال يمسك بزمام نظامه الحاكم. لكن وعلى رغم هذه الحقيقة، هناك من المؤشرات الضئيلة في بيونج يانج على تحولات إصلاحية مقبلة في عهد ما بعد كيم جونج إيل. ومن المحتمل لهذا التحول أن يؤدي لانتقال الاقتصاد الكوري الشمالي تدريجياً نحو نمط اقتصاد السوق الحرة التي تبنته الصين. وليس مستبعداً أن تصحب هذه التحولات تبني نهجٍ أكثر اعتدالاً في سياسات بيونج يانج الخارجية، على نحو ما حدث سابقاً في إدارات ما بعد الأتوقراطية الشيوعية الستالينية. وفي إشارة متفائلة منها نشرت صحيفة "نيويورك تايمز" مؤخراً تقريراً عن إعادة تنصيب باك بونج-جو -رئيس وزراء سابق أقيل من منصبه عام 2007 بسبب توجهات اقتصاد السوق الحرة التي يتبناها-. وربما تشير عودته إلى المنصب إلى اعتزام الزعيم الكوري الشمالي ومن حوله، اتخاذ خطوات جدية نحو الإصلاح وتحديث نمط الحكم الحالي. ------- ألبرت إل. ويكس بروفيسور فخري بجامعة نيويورك ومؤلف للعديد من الكتب عن السياسات السوفييتية ------- ينشر بترتيب خاص مع خدمة "كريستيان ساينس مونيتور"