السؤال المهم الذي يفترض أن يعرف إجابته كل عراقي يريد أن يكون له موقف مما يجري في العراق ويريد أن يكون له رأي في الحكومة التي ستحكم العراق هو: هل يفترض أن يقف مع الحكومة الحالية - حكومة الياور وعلاوي - أم يفترض أن يقف ضدها ويعارضها في كل شيء؟!
بالطبع الإجابة على هذا السؤال تعود إلى كل عراقي فكل واحد له الحق أن يقف مع أو يقف ضد الحكومة، والحجج والمبررات لهذا الموقف أو ذاك كثيرة... ولكن هناك رأياً للمنطق والعقل يجب أن يتم طرحه وعدم تجاهله وهو يتركز في تساؤل جوهري وهو: مَن المستفيد من الوقوف إلى جانب الحكومة الحالية ومن المستفيد من الوقوف ضدها؟!
إذا أراد العراقيون أن يعيش بلدهم في خير وأن تعود الأمور إلى مسارها الصحيح فالمنطق يقول إنه يفترض أن يقف جميع العراقيين إلى جانب الحكومة الحالية ويعملوا على تسهيل مهمتها حتى يحين موعد الانتخابات في يناير 2005 لتكون هناك فرصة للاستقرار وبالتالي إعادة البناء... أما في حال كان خيار الوقوف في صف المعارضة وضد الحكومة هو الغالب والأقوى فيجب أن يعرفوا أن هذا الأمر سيكون في صالح أعداء الشعب العراقي الداخليين والإقليميين والدوليين... كما أن المنطق يقول إنه بعد سنوات الحرب والحصار والشقاء الطويلة ليس من الخطأ أن تحصل الحكومة الحالية على فرصة ستة أشهر لتثبت حسن نواياها وهذا ليس بالكثير ويمكن من خلالها أن يُمنح العراق الكثير... هذا رأي مراقب من بعيد ويبقى الرأي الأخير والقرار النهائي للشعب في الداخل.
بالنسبة للأميركيين لم يعد هناك أي حل بعد أن استنفدوا كل حجج ومبررات الحرب وبعد أن استخدموا كل أساليب الدفاع عن النفس. فقد كانت فضيحة تعذيب السجناء في أبو غريب ضربة قاصمة على المستوى الدولي للولايات المتحدة، أما على المستوى الداخلي فإن الشعب الأميركي يختلف موقفه من هذه الحرب يوما بعد يوم ويتخذ موقفا معارضا للبقاء في العراق وهذا ما يجعل خيار تسليم السلطة للعراقيين هو الأفضل...
الولايات المتحدة قامت ببعض المفاجآت أولها في الفترة الأخيرة أنها اعترفت بسيادة العراق ومن ثم فإنها اعترفت باستقلاله الأمر الذي كان مستبعدا عند بداية الحرب. وبعد أن كانت تطالب بأن يظل الجيش والشرطة في العراق تحت إمرة قيادة القوات الأميركية بعد عودة السيادة للعراق وافقت مؤخرا على أن يكون الجيش والشرطة في العراق خاضعين للسلطة العراقية... كما أنها كانت تسعى للحصول على قرار يفيد بأن تتمتع القوات الأجنبية الباقية في العراق بكل الحرية في تصرفاتها وقراراتها ولكنها وافقت على صيغة مختلفة مفادها أن قوات الاحتلال لا تستطيع أن تقوم بعملياتها من دون التشاور مع القيادة العراقية.... كما أنها أقرت مؤخرا بأن العراقيين يملكون حرية التصرف في نفطهم.
أما المفاجأة الأخيرة فقد كانت قبل نقل السيادة للعراقيين يوم الاثنين الماضي عندما أعلنت صباح ذلك اليوم اكتمال تسليم السلطة للعراقيين وذلك قبل الموعد المحدد لنقل السيادة بيومين. وغادر بريمر بغداد بعد عام حافل بالأحداث.
تلك الأمور تعتبر مؤشرات على واقع الحال ولكن من الصعب أن تعترف أميركا بذلك كما أنه من الصعب أن يعترف دونالد رامسفيلد وزير الدفاع الأميركي بأن الأمور سارت عكس ما تم الترويج له وهو مهندس الحرب على العراق وهو الذي كان صاحب الصوت العالي في المطالبة بالحرب ضد العراق. ومن الصعب أن يقر بتدهور أوضاع القوات الأميركية هناك... ولكن يتضح للمراقبين من خلال تصريحاته منذ عدة أيام أن هناك اعترافاً ضمنياً منه بذلك وقد اتضح عندما شبَّه عمليات "المقاومة" في العراق بهجوم التيت في فيتنام عام 1968 والذي شكل نقطة تحول من الناحية النفسية في تلك الحرب. فهذه المقارنة واضحة على الرغم من تشكيكه بأن تلك الهجمات لن تنجح ولن تحقق أهدافها كما كان في فيتنام.
وكان هجوم التيت الذي شنه الفيتكونغ والقوات الفيتنامية الشمالية ضد القوات الأميركية والفيتناميين الجنوبيين الذين كانوا يحالفونهم قد نبه ملايين الأميركيين إلى الحرب في فيتنام من خلال الصور التي كان يعرضها التلفزيون لذلك الهجوم. وساهم الهجوم في إقناع كثيرين أن الحكومة الأميركية لم تكن تقول الحقيقة عندما أعلنت أنها تكسب الحرب... وهذا ما يبدو أن منفذي الهجمات وعمليات "الذبح" يحاولون تحقيقه من خلال نقله عبر وسائل الإعلام وعبر الإنترنت.
بعد نقل السيادة تطرح بعض الأسئلة منها هل سترحل القوات الأميركية قريبا؟... وبالتأكيد لن يكون رحيل القوات الأميركية من العراق قريبا، فكل المؤشرات العسكرية والسياسية والدبلوماسية تشير بل تؤكد على أن بقاء القوات الأميركية سيظل لسنوات طويلة في العراق... وهذا ما يجعل النظرة لما بعد تسليم السلطة لا تختلف كثيرا عن النظرة للوضع قبل نقل السيادة. وعلى الرغم من أن هناك حكومة عراقية هي التي ستتولى مهام الأمور في العراق... فيبدو أن الخطط الأميركية في العراق لن تتوقف.
والتساؤل الآخر المهم هو: كيف ستتعامل الولايات المتحدة مع الحكومة الجدي