منذ بزوغ فجر عصر الفضاء قبل نصف قرن من الآن، شهد كل جيل وقوع مأساة في برنامج الطيران الفضائي الأميركي. وأدت كل مأساة إلى إثارة دعوات إلى إصلاح وكالة "ناسا" وإلى نوع جديد من الاتجاه في برنامج الفضاء الأميركي.
وهناك الآن لجنة رئاسية توصي بإجراء إصلاح شامل على الإطلاق هي الأكبر في تاريخ وكالة "ناسا" كله، وذلك في أعقاب مأساة انفجار المكوك "كولومبيا" قبل 18 شهراً. وتهدف عملية الإصلاح إلى إعادة تجهيز الوكالة الأميركية لتلبية متطلبات الهدف الذي وضعه الرئيس بوش، والقاضي بإعادة البشر إلى القمر في عام 2015 ليكون ذلك مرتكزاً لاستكشاف المريخ وغيره من الكواكب في المجموعة الشمسية.
وعلى رغم أن المحللين رحبوا بطموح هذا المسعى، فإنهم يشيرون إلى أن عملية إعادة تنظيم الوكالات الحكومية لا تشكل سوى جزء واحد ينبغي حشده لدفع الاستكشاف البشري إلى ما هو أبعد من نطاق مدار الأرض. ومن أساسيات الصواريخ الأكثر جدارة بالاعتماد والأقل تكلفة إلى الدعم المستدام وغير الملموس من جهة الكونغرس، سيكون من الضروري التغلب على عقبات أخرى إذا كان المراد تحقيق نجاح الرؤية التي رسم ملامحها الرئيس بوش في يناير الماضي، ناهيك عن ذكر ما إذا كان الأميركيون أنفسهم يريدون، في زمن الحرب ودخول الاقتصاد في مرحلة التعافي، إنفاق الأموال على إطلاق رحلات تتوغل إلى عمق أكبر في الكون.
و"تحتاج وكالة ناسا إلى مهمة تتصف بالتركيز، وقد أعطاها الرئيس مهمة من هذا النوع"، على حد قول "روجر لونيوس" وهو مؤرخ فضاء لدى متحف "معهد سميثونيان" للتاريخ الجوي والفضائي، وهو يضيف قوله إن "التحدي يتمثل في أن الأميركيين كشعب لم يحلوّا حتى الآن مسألة ما إذا كنا نريد أن نفعل ذلك. ذلك أن دعم البرنامج الفضائي واسع جداً، لكنه ليس عميقاً جداً".
ومن بين المقترحات التي قدمتها اللجنة المذكورة ما يفيد بأن وكالة ناسا من شأنها أن تركز على مجال البحث والتطوير في أقصى مراحله وتقدمه إذا استغلت مواردها على نحو اقتصادي وفاعل. وتوصي اللجنة بما يلي:
1- التعاقد مع القطاع الخاص على تنفيذ سلسلة أوسع من النشاطات، بما في ذلك عمليات إطلاق مركبات غير مأهولة إلى مدارات منخفضة حول الأرض. 2- تشغيل الوكالة لمنشآتها البحثية على نحو أكثر انسجاماً وتنسيقاً مع المختبرات الوطنية الأخرى، وذلك بدلاً من اعتبارها ميادين داخلية مكلفة بواجبات متداخلة ومنخرطة في معارك متواصلة حول مجال اختصاصها وعملها. 3- إعادة تأسيس مجلس على مستوى البيت الأبيض، ومن شأنه أن يقوم بتنسيق الجهود ما بين الوكالات وتوفير ما تعتبره اللجنة المذكورة "حافزاً مفيداً لوكالة ناسا يدفعها إلى الحفاظ على النظام في بيتها الداخلي". 4- حث الكونغرس للتحرك نحو رصد مبالغ مالية كبيرة للجهات (أفراد أو شركات) التي تقوم بتطوير تكنولوجيات "تقدم أسباب التمكن" أو التي تتوصل إلى تحقيق معالم مميزة في مجال السفر إلى الفضاء لأغراض مدنية.
وقد شجّع على هذه الفكرة إلى حد ما تخصيص جائزة "أنساري إكس" المعروفة، وهي التي يتم فيها منح مبلغ قيمته 10 ملايين دولار لأول جماعة غير حكومية تصنع صاروخاً قادراً على حمل البشر بأمان ولمرتين في غضون أسبوع واحد إلى الفضاء الخارجي (في رحلتي ذهاب وإياب). وقد نفّذ مصمم الطائرات الشهير "بيرت روتان" يوم 21 من الشهر الجاري رحلة اختبارية نجحت فيها المركبة "سبيس وان شيب" بدخول الفضاء الخارجي.
وفي الواقع أن على رأس قائمة التكنولوجيات الضرورية هناك تطوير مركبات فضائية أرخص تكلفة وأكثر أماناً وجدارة بالاعتماد لحمل البشر إلى مدارات منخفضة حول الأرض، هذا على حد قول "هاوارد ماكيردي" أستاذ الإدارة العامة في الجامعة الأميركية بواشنطن.
وهناك اعتراف بتلك الحاجة في سياسة الرئيس بوش وكذلك تقرير اللجنة المذكورة. غير أن تلك الحاجة باتت أكثر إلحاحاً مع مرور الأيام، على حد قول "لو فريدمان" المدير التنفيذي لـ"جمعية الكواكب" وهي جماعة مدافعة عن استكشاف الفضاء وتتخذ من "باسادينا" بولاية كاليفورنيا مقراً لها، وهو يؤكد على أن سياسة الرئيس بوش تتصف بالوضوح حيال الحاجة إلى إيجاد بديل للمكوك الفضائي. غير أنه في الأشهر الخمسة التي أعقبت كشف الرئيس بوش عن خطته، يقول "فريدمان"، تم تأجيل موعد المكوك إلى الطيران الفضائي بمقدار سنة واحدة. فإذا حدثت مشكلة فنية في مكوك آخر أو تعرض لحادث ما، فمن الممكن أن يؤدي ذلك إلى تأخير إتمام المحطة الفضائية الدولية وبالتالي تأخير تنفيذ بنود الجدول الزمني الذي وضعه الرئيس بوش.
و"إذا تم تأخير البرنامج برمته، مجرد تأخير، فإنه لن يتحقق على الإطلاق بعد ذلك لأن الجداول الزمنية في سياسة الرئيس والمعنية بإحالة المكوك الفضائي إلى التقاعد وبإتمام بناء المحطة الفضائية الدولية تتصف بأهمية قصوى لتحقيق التوفير في التكاليف، وهو التوفير الضروري لإتمام الخطة ضمن وكالة "ناسا" التي تتلقى بعد التضخم تمويلها بمعدلات فائدة ثابتة على مدى السنوات الـ15 القادمة.
و