شمال إفريقيا وأزمة الأمن المائي
يعاني الوطن العربي من أزمة مياه حادة، تزداد حدتها عاماً بعد آخر، بسبب زيادة الطلب على الماء، وغياب سياسات استثمار الموارد المائية المتاحة بالشكل الأمثل، ولوجود محاولات إقليمية للاستحواذ على مياه الأنهار العربية النابعة من خارج حدود الوطن العربي. وهكذا فالوطن العربي بمجموع دوله، يسير نحو شح متزايد في الموارد المائية، مقابل طلب متزايد أيضاً، مما يعني عجزاً خطيراً في توفير المياه العذبة. وتبرز الفجوة المائية العربية على نحو أكثر اتساعاً في منطقة شمال إفريقيا بصفة خاصة، وهو الموضوع الذي يتناوله كتاب "أزمة المياه"، لمؤلفه حسن بالعيد سالم الفيتوري، والذي نعرضه هنا بإيجاز، كما يتعرض لانعكاسات الأزمات المائية في العلاقات الدولية المعاصرة، وتجلياتها في الشمال الإفريقي خاصة، وآثارها على الأمن القومي العربي عامة.
يتطرق الكتاب إلى جغرافية شمال إفريقيا، معرفاً هذه المنطقة بأنها الإقليم الممتد في شمال القارة والمطل بساحل طويل على البحرين؛ الأحمر والأبيض المتوسط والمحيط الأطلسي، من مصر شرقاً، مروراً بليبيا وتونس والجزائر حتى المغرب غرباً. وتتميز هذه المنطقة بمظاهر جغرافية طبيعية متشابهة، وتعد الصحراء الكبرى في الجنوب فاصلاً بينها وبين باقي بلدان إفريقيا، كما يشكل البحر من الشمال والشرق والمحيط من الغرب فاصلاً طبيعياً آخر.
أما الموارد المائية لمنطقة شمال إفريقيا فتنحصر في ثلاثة: أولها الأمطار التي تتساقط بمعدلات جيدة لكنها تتعرض للتبخر وينفذ قدر ضئيل منها نحو باطن الأرض ليغذي المياه الجوفية. وثانيها المياه السطحية، أي مياه البحيرات العذبة والمجاري المائية السطحية، وهي محدودة للغاية. أما ثالثها فهو المياه الجوفية، وتشكل مورداً رئيسياً للمياه العذبة في منطقة شمال إفريقيا، بل قد تشكل المصدر الوحيد للمياه كما هو الحال في ليبيا مثلا.
وعن أسباب أزمة المياه في منطقة الشمال الإفريقي، يقول المؤلف إنها متعددة ومتنوعة، وتختلط فيها العوامل السياسية بالاقتصادية، والوضع الاجتماعي بالواقع الجغرافي. ففيما يتعلق بالتغيرات السكانية فإن المنطقة تعرف أحد أعلى معدلات النمو السكاني في العالم، حيث يتوقع خلال ربع قرن القادم أن يتضاعف عدد سكانها، والبالغ حالياً 145 مليون نسمة، مما يؤدي إلى زيادة استخدام الماء لسد حاجات الاستهلاك البشري ومتطلبات الإنتاج الزراعي والصناعي، ومن ثم إلى تناقص خطير في الاحتياطي المائي لدول المنطقة. وإلى ذلك فإن الموقع الجغرافي للمنطقة ضمن النطاق المداري الجاف وقليل المطر، يسبب تناقص كميات الأمطار كلما ابتعدنا نحو الصحراء الكبرى، إذ تهبط الكمية إلى أقل من 200 ملم وإلى 10 ملم في قلب الصحراء التي تشكل 90 في المئة من أراضي الشمال الإفريقي. كما أن مشاريع التنمية، والتي أدت إلى زيادة استهلاك المياه، لعبت دوراً مهماً في توسيع الفجوة المائية. بينما ساهمت مشاريع دول الجوار، وعلى الأخص المشاريع الإثيوبية على النيل، في أزمة المياه بالمنطقة، مهددةً الأمن المائي لكل من السودان ومصر. كذلك فإن تلوث المياه وتملّحها مازال يشكل أحد أهم أسباب أزمة المياه في المنطقة، مثله مثل التبخر والهدر، والتصحر، فضلا عن غياب التعاون الإقليمي في مجال استغلال الموارد المائية وتنميتها.
ويتعرض المؤلف للسياسات المائية المتبعة في شمال إفريقيا، قائلا إنه مع التوسع في المجالات الزراعية والصناعية، فقد بدأت دول المنطقة منذ خمسينيات القرن الماضي تطوير سياساتها المائية وتوسيعها لتشمل تنمية الموارد المائية، السطحية والجوفية، والبحث عن المصادر المائية البديلة، مثل تحلية مياه البحر وتنقية مياه الصرف الصحي واستمطار السحب وإقامة السدود وغيرها. ثم يتطرق إلى المشروعات المائية قيد الدراسة أو الإنجاز، وبعضها من شأنها ضمان الأمن المائي لأقطار المنطقة وتحقيق التكامل المائي بينها، وتوظيف الإمكانات المادية والبشرية في مشاريع مائية تعود بالفائدة القصوى عليها، وبالتالي تحمي أمنها المائي، وتدعم الأمن القومي العربي. بيد أنه يرهن تلك الأهداف بطبيعة السياسات المائية التي تتبعها أقطار المنطقة، وبالمشروعات المائية ذاتها، وما إذا كانت تحقق ترشيد الاستهلاك وتأمين الاستخدام الصحيح والتوزيع العادل للموارد المائية المتاحة فيها.
وخلال تصفح الكتاب نجد أن فصلين فقط من فصوله الأربعة ينتميان إلى موضوعه الرئيسي، أما الأول وعنوانه "الأمن المائي وعلاقته بمفهوم الأمن القومي العربي"، والرابع وقد تناول "المياه في القانون الدولي العام"، فعلاقتهما ضعيفة بالموضوع الرئيسي. وقد جانب المؤلف الصواب في اختيار عنوان كتابه، إذ وضع عنواناً بصيغة عامة "أزمة المياه"، ثم أضاف تحته عنواناً فرعياً طويلاً يتألف من ثلاثة أسطر. وإلى ذلك فإن الخاتمة التي لم تزدد عن ستة أسطر، خلت من أي رؤية أو استنتاج لتتمنى أن يكون الكتاب قد قدم إضافة معرفية في مجاله!
محمد ولد المنى
-------
الكتاب: أزمة المياه
المؤلف: حسن بالعيد سالم الفيتوري
الناشر: المكتب العربي الحديث
تاريخ النشر: 2010